للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذه الحجة ردها إلكيا بقوله: (وهذا فيه نظر؛ لأنه كان بالمدينة خلق كثير من الأنصار لم يأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخروج، ولم يكونوا يرون أنه قتال وإنما ظنوا أنها العير، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيمن خف معه) (١).

فظهر بذلك أن القول بأن الزحف من الفرار كبيرة أقرب للصواب والله أعلم.

وقد نبه ابن عاشور للحكمة من تحريم الزحف من الفرار بقوله: (وإنما حرم الله الفرار في وقت مناجزة المشركين ومجالدتهم وهو وقت اللقاء؛ لأن الفرار حينئذ يوقع في الهزيمة الشنيعة والتقتيل، وذلك أن الله أوجب على المسلمين قتال المشركين، فإذا أقدم المسلمون على القتال لم يكن نصرهم إلا بصبرهم، وتأييد الله إياهم، فلو انكشفوا بالفرار لأعمل المشركون الرماح في ظهورهم فاستأصلوهم، فلذلك أمرهم الله ورسوله بالصبر والثبات، فيكون ما في هذه الآية هو حكم الصبر عند اللقاء) (٢).

وفي هذا الاستنباط تنبيه للمسلمين بأن ينظروا قبل اللقاء هل هم بحيث يستطيعون الثبات أو لا. قال ابن عاشور: (الذي أرى في فقه هذه الآية أن ظاهر الآية هو تحريم التولي على آحادهم وجماعتهم إذا التقوا مع أعدائهم في ملاحم القتال والمجالدة، بحيث إن المسلمين إذا توجهوا إلى قتال المشركين، أو إذا نزل المشركون لمقاتلتهم وعزموا على المقاتلة، فإذا التقى الجيشان للقتال وجب على المسلمين الثبات والصبر للقتال، ولو كانوا أقل من جيش المشركين، فإما أن ينتصروا، وإما أن يستشهدوا، وعلى هذا فللمسلمين النظر قبل اللقاء هل هم بحيث يستطيعون الثبات وجهه أو لا، فإن وقت المجالدة يضيق عن التدبير، فعلى الجيش النظر في عَدده وعُدده ونسبة ذلك من جيش عدوهم، فإذا أزمعوا الزحف وجب عليهم الثبات) (٣).

٨٣ - وجوب ترك التقيد بالمذاهب المخالفة لما في الكتاب والسنة (٤).

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)} الأنفال: ٢٤.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (ويستدل بهذا الأمر بالاستجابة على أنه يجب على كل مسلم إذا بلغه قول الله، أو قول رسوله -صلى الله عليه وسلم- في حكم من الأحكام الشرعية أن يبادر إلى العمل به كائنا ما كان، ويدع ما خالفه من الرأي وأقوال الرجال. وفي هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بنصوص الأدلة، وترك التقيد بالمذاهب، وعدم الاعتداد بما يخالف ما في الكتاب والسنة كائنا ما كان) (٥).


(١) أحكام القرآن ج ٣/ ص ١٥٣.
(٢) التحرير والتنوير ج ٩/ ص ٤٩.
(٣) المصدر السابق ج ٩/ ص ٤٨.
(٤) وهو استنباط أصولي.
(٥) فتح القدير ج ٢/ ص ٢٩٩.

<<  <   >  >>