للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (١) -رحمه الله- أن مجتنب الكبائر ممن قد شاء الله غفران سيئاته.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى قال هنا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨) وقال قبلها: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١)}؛ فدل بدلالة التركيب على أن مجتنب الكبائر ممن قد شاء الله غفران سيئاته.

وممن قال بهذا الاستنباط: القنوجي، والقاسمي. (٢). وأشار إليه القرطبي بقوله: فقد تعاضد الكتاب وصحيح السنة بتكفير الصغائر قطعا كالنظر وشبهه (٣).

ولعل الشوكاني عني بذلك وعد الله تعالى بتكفير الصغائر، فقد أشار عند تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (٣٢)} [النجم: ٣١، ٣٢] إلى أن الصغائر ذنوب تفتقر إلى مغفرة الله، فقال: (وجملة: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} أي إن ذلك وإن خرج عن حكم المؤاخذة فليس يخلو عن كونه ذنبا يفتقر إلى مغفرة الله، ويحتاج إلى رحمته) (٤).

والقول بأن الكبائر والصغائر تحت المشيئة هو الأحسن. قال ابن عثيمين: (ما دون الشرك تحت المشيئة؛ لقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، وليس مجزوما بمغفرته، ولا مجزوما بالمؤاخذة عليه، وإنما هو تحت المشيئة) (٥).

وقال: (الصغائر تقع مكفرة باجتناب الكبائر؛ لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أي: فإن لم يجتنب الكبائر أخذ بالصغائر، لكن الكبائر والصغائر تحت المشيئة ما لم تكن كفرا، فالفائدة من قولهم يؤخذ بها أنه إذا اجتنب الكبائر جزمنا بأن الله كفر عنه الصغائر، وإذا لم يجتنب الكبائر فهو تحت المشيئة والخطر) (٦).


(١) واستنبط غيره أن في الآية ردا على المعتزلة القائلين بأن الكبائر لا تغفر، وردا على المرجئة القائلين: إن أصحاب الكبائر من المسلمين لا يعذبون؛ لقوله تعالى: {لِمَنْ يَشَاءُ}. انظر: الإكليل ج ٢/ ص ٥٦٣.
(٢) انظر: فتح البيان ج ٣/ ص ١٤٣، ومحاسن التأويل ج ٣/ ص ١٤٨.
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٥/ ص ١٥٢.
(٤) فتح القدير ج ٥/ ص ١١٣.
(٥) تفسير سورة النساء ج ١/ ص ٣٩٠.
(٦) المصدر السابق ج ١/ ص ٢٦٩.

<<  <   >  >>