للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويفهم من الآية أن المتكبر لا ينال ما أراد من العظمة والرفعة، وإنما يحصل له نقيض ذلك. وصرح تعالى بهذا المعنى في قوله: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} (١) [غافر: من الآية ٥٦].

ويفهم من مفهوم المخالفة في الآية أن المتواضع لله جل وعلا يرفعه الله. وقد أشار تعالى إلى مكانة المتواضعين له عنده في مواضع أخر كقوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ … هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (٦٣)} [الفرقان: ٦٣]، وقوله: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)} [القصص: ٨٣] (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: القنوجي، والشنقيطي-كما تقدم-، والهرري. (٣).

وفي هذا الاستنباط تحذير من التكبر إذ الصغار لازم الاستكبار (٤). كما فيه حث على التواضع.

٧٩ - المهارة في علم الخير سبب للفوز بالسعادة (٥).

قال تعالى: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (١٢٠) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (١٢٢)} [الأعراف: ١٢٠ - ١٢٢].

قال الشوكاني -رحمه الله-: (ولقد كان ما هم عليه من السحر والمهارة في علمه، مع كونه شرا محضا سببا للفوز بالسعادة؛ لأنهم علموا أن هذا الذي جاء به موسى خارج عن طوق البشر، وأنه من فعل الله سبحانه، فوصلوا بالشر إلى الخير، ولم يحصل من غيرهم ممن لا يعرف هذا العلم من أتباع فرعون ما حصل منهم من الإذعان والاعتراف والإيمان. وإذا كانت المهارة في علم الشر قد تأتي بمثل هذه الفائدة فما بالك بالمهارة في علم الخير. اللهم انفعنا بما علمتنا، وثبت أقدامنا على الحق، وأفرغ علينا سجال الصبر، وتوفنا مسلمين) (٦).


(١) وتمامها: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦)}.
(٢) انظر: أضواء البيان ج ١/ ص ٤١٠، ٤١١.
(٣) انظر: فتح البيان ج ٤/ ص ٣١٢، وأضواء البيان ج ١/ ص ٤١٠، ٤١١، وحدائق الروح والريحان ج ٩/ ص ٢٢٧.
(٤) انظر: مدارك التنزيل ج ٢/ ص ٦٩.
(٥) وهو استنباط فائدة علمية.
(٦) فتح القدير ج ٢/ ص ٢٣٥.

<<  <   >  >>