للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الشوكاني -رحمه الله-: ({فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ} هي القرية المذكورة سابقا، وفيه جواز إطلاق اسم المدينة على القرية لغة) (١).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٢) -رحمه الله- جواز إطلاق اسم المدينة على القرية لغة.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى سمى أولا الموضع الذي فيه الجدار بالقرية فقال: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ}، ثم سمى الموضع بالمدينة بقوله: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ}؛ فدل بدلالة التركيب بين الآيتين على جواز إطلاق اسم المدينة على القرية لغة، بل دلت دلالة التركيب على جواز تسمية إحداهما بالأخرى.

قال ابن عادل الحنبلي: (واعلم أنه سمَّى القرية في قوله: {أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ}، وسمَّى القرية هنا مدينة بقوله: {يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ}؛ فدل على جواز تسمية إحداهما بالأخرى) (٣).

وممن قال بهذا الاستنباط: القرطبي، وابن كثير، وابن عادل الحنبلي-كما تقدم-، والقنوجي، والقاسمي، والهرري. (٤).

وفي هذا الاستنباط تنبيه إلى أن للقرآن مصطلحات خاصة، فلا يجوز حمله على المصطلحات الحادثة. قال ابن تيمية: (والقرآن نزل بلغة العرب فلا يجوز حمله على اصطلاح حادث ليس من لغتهم) (٥). وعدَّ -في موضع آخر- هذا الفعل من أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله، فقال: (ومن أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله أن ينشأ الرجل على اصطلاح حادث، فيريد أن يفسِّر كلام الله بذلك الاصطلاح، ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها) (٦).


(١) فتح القدير ج ٣/ ص ٣٠٤.
(٢) واستنبط غيره من الآية الثانية استنباطات أخرى، منها:
١) استعمال الأدب مع الله؛ فإن الخضر أسند الإرادة هنا إلى الله فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ}، وأسندها إلى نفسه في قوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: من الآية ٧٩]؛ لأنها لفظة عيب فتأدب بأن لا يسندها إلى الله. انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ١١/ ص ٣٨، والتسهيل لعلوم التنزيل ج ٢/ ص ١٩٤.
٢) إباحة كنز الكنوز، وحفظ الأموال على الصغار إلى وقت البلوغ؛ لقوله تعالى: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ}. انظر: نكت القرآن ج ٢/ ص ٢٢٢.
(٣) اللباب ج ١٢/ ص ٥٤٨.
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ١١/ ص ٣٧، وتفسير القرآن العظيم ج ٥/ ص ١٨٣، واللباب ج ١٢/ ص ٥٤٨، وفتح البيان ج ٨/ ص ٩٣، ومحاسن التأويل ج ٧/ ص ٥٤، وحدائق الروح والريحان ج ١٧/ ١٥.
(٥) درء التعارض ج ٦/ ص ٧.
(٦) مجموع الفتاوى ج ١٢/ ص ١٠٧.

<<  <   >  >>