للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال الآلوسي: الآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال، وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير، وخطب جسيم في بر أو بحر دعوا من لا يضر ولا ينفع، ولا يرى ولا يسمع. ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة، ومنهم من يضرع إلى شيخ من مشايخ الأمة، ولا ترى فيهم أحدا يخص مولاه بتضرعه ودعاه، ولا يكاد يمر له بباله أنه لو دعا الله تعالى وحده ينجو من هاتيك الأهوال، فبالله تعالى عليك قل لي أي الفريقين من هذه الحيثية أهدى سبيلا، وأي الداعيين أقوم قيلا، وإلى الله تعالى المشتكى من زمان عصفت فيه ريح الجهالة، وتلاطمت أمواج الضلالة، وخرقت سفينة الشريعة، واتخذت الاستغاثة بغير الله تعالى للنجاة ذريعة، وتعذر على العارفين الأمر بالمعروف، وحالت دون النهي عن المنكر صنوف الحتوف (١).

١٠٠ - المضطر يجاب دعاؤه وإن كان كافرا (٢).

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣)} يونس: ٢٢ - ٢٣.

قال الشوكاني -رحمه الله-: وفي هذا دليل على أن المضطر يجاب دعاؤه وإن كان كافرا (٣).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني-رحمه الله- من الآية أن المضطر يجاب دعاؤه وإن كان كافرا.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر حال الكفار واضطرارهم في البحر عند اشتداده، والخوف من عواقبه فقال: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢)} فبين أنهم دعوه مخلصين، ثم قال بعدها: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي: أجابهم عند ضرورتهم وإخلاصهم، مع علمه بأنهم سيعودون إلى شركهم، فدل ذلك على أن الله سبحانه يجيب دعاء المضطرين وإن كانوا كافرين (٤).


(١) انظر: روح المعاني ج ١١/ ص ٩٨.
(٢) وهو استنباط في الدعوات والذكر، وهو استنباط عقدي لتعلقه بالربوبية.
(٣) انظر: فتح القدير ج ٢/ ص ٤٣٥.
(٤) أشار إليه الشوكاني عند تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٦٢)} [النمل: ٦٢]. انظر: فتح القدير ج ٤/ ص ١٤٧.

<<  <   >  >>