للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم شرع في طلب العلم فدرس على والده، وعلى البارزين من العلماء في عصره في مختلف العلوم: الدينية، والعقلية، والفلكية، والرياضية، إذ وجد بيئة علمية زاخرة بالعلماء والأدباء. وظل كما يقول: يأخذ عن شيوخه حتى استوفى كل ما عندهم من كتب، بل زاد في قراءاته الخاصة على ما ليس عندهم. وكان طلبه للعلم في صنعاء نفسها، لم يرحل عنها على عادة طلاب العلم لعدم إذن أبويه له في الرحلة، فكان عند إذنهما (١).

وكثيرا ما كان يقرأ على مشايخه، فإذا فرغ من كتاب قراءةً أخذه عنه تلاميذه الذين اجتمعوا عليه، وهو لا يزال في أول الطلب، بل ربما اجتمعوا على الأخذ عنه قبل أن يفرُغ من قراءة الكتاب على شيخه؛ ولذلك كانت دروسه تبلغ في اليوم والليلة ثلاثة عشر درسا، منها ما يأخذه عن مشايخه، ومنها ما يأخذه عنه تلاميذه (٢).

وكان في أيام قراءته على الشيوخ وإقرائه لتلامذته يفتي أهل مدينة صنعاء، ومن وفد إليها، بل ترد عليه الفتاوى من الديار التهامية وشيوخه إذ ذاك أحياء. وكادت الفتيا تدور عليه من عوام الناس وخواصهم، واستمر يفتي من نحو العشرين من عمره فما بعد ذلك، وكان لا يأخذ على الفتيا شيئا تنزها، فإذا عوتب في ذلك قال: أنا أخذت العلم بلا ثمن فأريد إنفاقه كذلك (٣).

وفي الجملة، فقد درس دراسة واسعة، واطلع اطلاعاً يندر أن يحيط به غيره، فليس من المستطاع سرد ما درسه من كتب، أو استجازه من مراجع. ومن يرجع إلى كتبه يدرك مدى ما كان عليه هذا الرجل من تنوّع في الثقافة، واتساع فيها. وقد برع في كل ذلك تقريبا، وصنَّف ودرَّس فيه. ولا غرو أنْ رأينا بعض كُتَّاب التراجم (٤) يعرِّف به فيقول: مفسر، محدث، فقيه، أصولي، مؤرخ، أديب، نحوي، منطقي، متكلم، حكيم. (٥).

[عقيدته]

قرر الشوكاني مذهب السلف الصالح من هذه الأمة، وبيَّن أنه المذهب الحق الذي يجب اتباعه، فقال: لا ينبغي لعالم أن يدين بغير ما دان به السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، من الوقوف على ما تقتضيه أدلة الكتاب والسنة، وإبراز الصفات كما جاءت، ورد علم المتشابه إلى الله سبحانه، وعدم الاعتداد بشيء من تلك القواعد المدونة في هذا العلم، المبنية على شفا جرف هار من أدلة العقل التي لا تعقل ولا تثبت إلا بمجرد الدعاوى والافتراء على العقل بما يطابق الهوى، ولا سيما إذا كانت مخالفة لأدلة الشرع الثابتة في الحديث والسنة، فإنها حينئذ حديث خرافة، ولعبة لاعب، فلا سبيل للعباد يتوصلون به إلى معرفة ما يتعلق بالرب سبحانه، وبالوعد والوعيد، والجنة والنار، والمبدأ والمعاد، إلا ما جاءت به الأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه- عن الله سبحانه (٦).


(١) انظر: المصدر السابق ج ٢/ ص ٧٦٨، و ٧٧٢.
(٢) انظر: المصدر السابق ج ٢/ ص ٧٧١.
(٣) انظر: المصدر السابق ج ٢/ ص ٧٧٢.
(٤) مثل: هدية العارفين ج ٣/ ص ٤٠٣، ومعجم المؤلفين ج ٣/ ص ٥٤١، ٥٤٢،.
(٥) انظر: مقدمة قطر الولي على حديث الولي ل. د. إبراهيم هلال ص ١٦، ١٧.
(٦) انظر: أدب الطلب ص ١٩٨.

<<  <   >  >>