للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وخالف القرطبي إذ فسر: أكثرهم بمعنى كلهم (١). على سبيل المجاز كما يراد بالقلة العدم (٢). وأجازه ابن المنير كذلك (٣)، قال الآلوسي -متعقبا هذا القول-: (وقال ابن المنير يحتمل أن يحمل الأكثر على الكل كما حمل القليل على النفي. وفيه بعد) (٤).

والأظهر-والله تعالى أعلم- إبقاء الأكثر على ظاهره إذ الحقيقة أولى من المجاز.

قال أبو حيان: (إبقاء الأكثر على ظاهره أولى) (٥).

وفي هذا الاستنباط بيان لإنصاف القرآن في الأحكام. قال ابن عاشور: (وإنما أسندت كراهية الحق إلى أكثرهم دون جميعهم إنصافا لمن كان منهم من أهل الأحلام الراجحة الذين علموا بطلان الشرك وكانوا يجنحون إلى الحق، ولكنهم يشايعون طغاة قومهم مصانعة لهم، واستبقاء على حرمة أنفسهم بعلمهم أنهم إن صدعوا بالحق لقوا من طغاتهم الأذى والانتقاص، وكان من هؤلاء أبو طالب، والعباس، والوليد بن المغيرة. فكان المعنى: بل جاءهم بالحق فكفروا به كلهم، فأما أكثرهم فكراهية للحق، وأما قليل منهم مصانعة لسائرهم وقد شمل الكفر جميعهم) (٦).

وقال الهرري: (وقد جرت سنة القرآن أن يدقق في الحكم، ولا يقول إلا الحق، ولا يقول كما يقول الناس: إن القليل لا حكم له) (٧).

١٥٥ - نفي الشريك عن الله يدل على نفي الولد لأن الولد ينازع أباه في ملكه (٨).

قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١)} المؤمنون: ٩١.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (ثم بين سبحانه ما يستلزمه ما يدعيه الكفار من إثبات الشريك فقال: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ … إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ}. وفي الكلام حذف تقديره: لو كان مع الله آلهة لانفرد كل إله بخلقه، واستبد به، وامتاز ملكه عن ملك الآخر، ووقع بينهم التطالب والتحارب والتغالب. {وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي: غلب القوي على الضعيف، وقهره، وأخذ ملكه كعادة الملوك من بني آدم، وحينئذ فذلك الضعيف المغلوب لا يستحق أن يكون إلها. وإذا تقرر عدم إمكان المشاركة في ذلك، وأنه لا يقوم به إلا واحد؛ تعين أن يكون هذا الواحد هو الله سبحانه، وهذا الدليل كما دل على نفي الشريك؛ فإنه يدل على نفي الولد لأن الولد ينازع أباه في ملكه) (٩).


(١) الجامع لأحكام القرآن ج ١٢/ ص ١٢٧.
(٢) انظر: أنوار التنزيل ج ٣/ ص ١٠٦، ومدارك التنزيل ج ٢/ ص ٦٤، وروح المعاني ج ٩/ ص ٢٠٣.
(٣) انظر: الانتصاف ج ٣/ ص ١٩٧.
(٤) روح المعاني ج ١٨/ ص ٥٢.
(٥) البحر المحيط ج ٤/ ص ٦٢١.
(٦) التحرير والتنوير ج ١٨/ ص ٧٤.
(٧) حدائق الروح والريحان ج ١٠/ ص ٤١٥.
(٨) وهو استنباط عقدي.
(٩) فتح القدير ج ٣/ ص ٤٩٦.

<<  <   >  >>