للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني مناسبة ذكر الفقه عند الحديث عن إنشاء الأنفس من نفس واحدة، وجعل بعضها مستقرا، وبعضها مستودعا؛ لما في هذا من الغموض والدقة.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى لما امتن بنعمة النجوم واهتداء بها ختم ذلك بقوله: {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧)}، ولما ذكر خلقه للأنفس من نفس واحدة، وجعل بعضها مستقرا، وبعضها مستودعا ختم ذلك بقوله: {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨)}؛ فدل بدلالة التركيب بين الآيتين، وطريق التأمل في خواتيم الآيات على أن الله ختم الآية الثانية بالفقه؛ لأن في خلق الأنفس من نفس واحدة من الغموض والدقة ما ليس في خلق النجوم للاهتداء.

قال البقاعي: (ولما كان إنشاء الناس من نفس واحدة، وتصريفهم على تلك الوجوه المختلفة جداً ألطف وأدق صنعة، فكان ذلك محتاجاً إلى تدبر، واستعمال فطنة، وتدقيق نظر؛ قال: {لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨)} أي لهم أهلية الفقه والفطنة) (١).

وممن قال بهذا الاستنباط: الكرماني (٢)، والرازي،، وابن جماعة (٣)، وأبو حيان، والبقاعي-كما تقدم-، وابن عاشور. (٤).

وفي هذا الاستنباط حث على مزيد التدقيق، وإمعان الفكر في خلق الأنفس، وتصريفها على أطوار مختلفة، إذ في ذلك ما يدل على عظمة الخالق سبحانه.


(١) نظم الدرر ج ٢/ ص ٦٨٤.
(٢) هو برهان الدين، أبو القاسم، محمود بن حمزة بن نصر الكرماني، النحوي، يعرف بتاج القراء، صاحب التصانيف، منها: لباب التفسير، البرهان في توجيه متشابه القرآن أو أسرار التكرار، توفي عام ٥٠٥ هـ. انظر: غاية النهاية ج ٢/ ص ٢٩١، وبغية الوعاة ج ٢/ ص ٢٨٢.
(٣) هو المحدث الفقيه بدر الدين، أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني، الحموي الأصل، من علماء الشافعية، اشتغل بالعلم فحصل فنونا متعددة، وتقدم وساد أقرانه، ولى الحكم والخطابة بالقدس الشريف، ثم نقل إلى قضاء مصر، ثم قضاء الشام، له تصانيف نافعة، منها: التبيان في مبهمات القرآن، والمنهل الروي في علوم الحديث، توفي عام ٧٣٣ هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى ج ٩/ ص ١٣٩، والبداية والنهاية ج ١٨/ ص ٣٥٧، ٣٥٨، والدرر الكامنة ج ٥/ ص ٤ - ٧.
(٤) انظر: أسرار التكرار ص ٧٢، والتفسير الكبير ج ١٣/ ص ٨٥، وكشف المعاني ص ١١٨، والبحر المحيط ج ٤/ ص ٢٤٤، ونظم الدرر ج ٢/ ص ٦٨٤، والتحرير والتنوير ج ٦/ ص ٢٣٨.

<<  <   >  >>