للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقيل: إن مناسبة ذكر {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} في خاتمة هذه الآية بالنظر لختم الآية السابقة بقوله تعالى: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} أن لفظ الفرض أقوى و آكد من لفظ الوصية، فختم شرح ميراث الأولاد بذكر الفريضة، وختم شرح ميراث الكلالة بالوصية؛ ليدل بذلك على أن الكل وإن كان واجب الرعاية إلا أن القسم الأول وهو رعاية حال الأولاد أولى (١).

وقيل العكس، أي: الوصية أقوى من الفرض؛ لدلالة الوصية على الرغبة، وطلب سرعة الحصول؛ فختم شرح ميراث الكلالة بها؛ لأنها لبعدها ربما لا يعتني بشأنها فحرض على الاعتناء بها بذكر الوصية (٢).

٥٢ - مناسبة ذكر التغليظ على من يأتين الفاحشة من النساء بعد الأمر بالإحسان إلى النساء؛ لئلا يتوهمن أنه يسوغ لهن ترك التعفف (٣).

قال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥)} النساء: ١٥.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (لما ذكر سبحانه في هذه السورة الإحسان إلى النساء، وإيصال صدقاتهن إليهن، وميراثهن مع الرجال ذكر التغليظ عليهن فيما يأتين به من الفاحشة؛ لئلا يتوهمن أنه يسوغ لهن ترك التعفف) (٤).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٥) -رحمه الله- أن مناسبة ذكر التغليظ على من يأتين الفاحشة من النساء بعد الأمر بالإحسان إلى النساء؛ لئلا يتوهمن أنه يسوغ لهن ترك التعفف.


(١) انظر: التفسير الكبير ج ٩/ ص ١٨٣.
(٢) انظر: روح المعاني ج ٤/ ص ٢٣٢.
(٣) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة).
(٤) فتح القدير ج ١/ ص ٤٣٧.
(٥) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) إثبات الأفعال الاختيارية لله تعالى، أي: إثبات صفة الفعل المتجدد لله؛ لقوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥)}. انظر: تفسير سورة النساء لابن عثيمين ج ١/ ص ١٢٨.
٢) حبس المرأة في بيتها من أسباب درء الفتنة؛ لقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ} لأن هذا نوع من العقوبة من وجه، وكف لأسباب الفتنة من وجه آخر. انظر المصدر السابق ج ١/ ص ١٢٧.
٣) في الآية إشارة إلى أن منع النساء من الخروج عند الحاجة إليه لمجرد الغيرة، أو لمجرد الهوى والتحكم من الرجال لا يجوز. قاله المراغي في تفسيره ج ٤/ ص ٢٠٦، ومثله قول ابن عثيمين: (لا يجوز حبس المرأة في بيتها بحيث تمنع من الخروج، إلا إذا كان هناك فتنة وشر، وإلا فالأصل أنها لا تمنع من الخروج من البيت، ويؤيد هذا أن الله تعالى أوجب بقاء المرأة المتوفى عنها زوجها في بيتها؛ فدل ذلك على أن غيرها لا يلزمها البقاء في البيت، وهو كذلك، فالبيت ينبغي أن نرغب النساء في البقاء فيه، لكن لا نلزمهن بذلك). تفسير سورة النساء ج ١/ ص ١٢٧، ١٢٨.
٤) يكون التعزير بالحبس، وسائر أنواع الأذى من الضرب والتعيير والتوبيخ والإهانة. قاله السيوطي في الإكليل ج ٢/ ص ٥٢١. ومثله قول السعدي: (يؤخذ منهما-أي من هذه الآية ومن قوله تعالى بعدها: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (١٦)} [النساء: ١٦]-أن الأذية بالقول والفعل والحبس قد شرعه الله تعزيرا لجنس المعصية الذي يحصل به الزجر). تيسير الكريم الرحمن ص ١٧١.

<<  <   >  >>