للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثاني: لا تبغوا عليهن إذا أطعنكم لعلو أيديكم؛ فان الله أعلى منكم، وأكبر من كل شيء، وهو متعال عن أن يكلف إلا بالحق.

الثالث: أنه تعالى مع علوه وكبريائه لا يكلفكم إلا ما تطيقون، فكذلك لا تكلفوهن محبتكم؛ فإنهن لا يقدرن على ذلك.

الرابع: أنه مع علوه وكبريائه لا يؤاخذ العاصي إذا تاب، بل يغفر له، فإذا تابت المرأة عن نشوزها فأنتم أولى بأن تقبلوا توبتها، وتتركوا معاقبتها.

الخامس: أنه تعالى مع علوه وكبريائه اكتفى من العبد بالظواهر، ولم يهتك السرائر، فأنتم أولى أن تكتفوا بظاهر حال المرأة، وأن لا تقعوا في التفتيش عما في قلبها وضميرها من الحب والبغض) (١).

٥٤ - مناسبة تخصيص ذم المختال الفخور بعد الأمر بعبادة الله والإحسان إلى الخلق؛ لأن هاتين الصفتين تحملان صاحبهما على الأنفة مما ندب الله إليه (٢).

قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (٣٦)} النساء: ٣٦.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وخص هاتين الصفتين لأنهما يحملان صاحبهما على الأنفة مما ندب الله إليه في هذه الآية) (٣).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- أن مناسبة ختم الآية بنفي محبته سبحانه عن المختال الفخور بعد أن أمر سبحانه بعبادته، ونهى عن الإشراك به، وأمر بالإحسان إلى الخلق؛ لأنهما صفتان تحملان صاحبهما على الأنفة مما ندب الله إليه في هذه الآية.

ووجه الاستنباط: أن الله أمر بالدخول تحت رق عبوديته، والانقياد لأوامره ونواهيه، محبة وذلا وإخلاصا له في جميع العبادات الظاهرة والباطنة، ونهى عن الشرك به، ثم أمر بالقيام بحقوق العباد الأقرب فالأقرب، فبدأ بالوالدين، ثم جميع الأقارب قربوا أو بعدوا. ثم أمر بالإحسان إلى المساكين الذين أسكنتهم الحاجة والفقر فلم يحصلوا على كفايتهم. ثم حث على الإحسان إلى الجار ذي القربى وهو الجار القريب الذي له حقان: حق الجوار، وحق القرابة، وكذلك الإحسان للجار الجنب الذي ليس له قرابة. وإلى الصاحب بالجنب وهو الصاحب مطلقا فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر، ويشمل الزوجة. ثم أمر بالإحسان إلى ابن السبيل، وما ملكت الأيمان من الآدميين والبهائم، وذلك بالقيام بكفايتهم، وعدم تحميلهم ما يشق عليهم (٤). ثم نفى سبحانه محبته ورضاه عن المختال ذو الخيلاء أي: الكبر، والفخور: الذي يعدد مناقبه كبرا، فخص هاتين الصفتين بالذكر هنا؛ لأنهما تحملان صاحبيهما على الأنفة من القريب الفقير، والجار الفقير، وغيرهم ممن ذكر في الآية فيضيع أمر الله بالإحسان إليهم (٥). والدلالة على هذا المعنى دلالة الربط بين الآية وخاتمتها.


(١) التفسير الكبير ج ١٠/ ص ٧٤.
(٢) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة)، وهو استنباط في الأخلاق لتعلقه بالاختيال والفخر.
(٣) فتح القدير ج ١/ ص ٤٦٤.
(٤) انظر: تيسير الكريم الرحمن ص ١٧٨.
(٥) انظر: زاد المسير ج ٢/ ص ٨١، الجامع لأحكام القرآن ج ٥/ ١٨٥.

<<  <   >  >>