للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال الدوسري مؤيدا: (فيه ختم مناسب لموضوع الآية، وذلك أنه لما أمر الأزواج بتأديب الزوجات وعظهم وأنذرهم بقدر ته عليهم، وأنه العلي الكبير فلا يستعلوا على أزواجهن بأي نوع من التسلط، بل ينصفوا لهن، ويراقبوا الله في وصفهن. وهاتان الصفتان يجب إثباتهما لله على ما يليق بجلاله، فهو سبحانه العلي الأعلى، له علو الذات، وعلو الصفات، وعلو الكمال، وقد أسلفنا أنه الأعلى على خلقه، دون أن تحيط به جهة، أو تحويه جهة، فإن الجهات التي تتصورها العقول بالنسبة إلى المخلوق، فأما الله الخلاق العظيم فإن الجهات عنده عديمة، لأن جميع العوالم العلوية والسفلية بالنسبة لوسع الله كالذرة الصغرى في يد أحدنا، والله أعلى وأجل، وقد فصلنا ذلك عند الكلام على آية الكرسي، وبالجملة فالله هو العلي الأعلى، له علو الذات على ما يليق بجلاله، وعلو القهر وعلو الاستعلاء المعنوي بجميع معانيه، وهو الكبير، كبير الشأن والسلطان لا يطاوله أحد إلا قصمه، ولا يستعلي عليه أحد إلا أذله، وفي ذكر الله لهذين الاسمين العظيمين في ختام هذه الآية إنذار وتهديد من الله للأزواج على ظلم زوجاتهم، والتجني عليهن بالضرب والإهانة بلا سبب، فإنهن وإن ضعفن عن دفع ظلمكم أيها الرجال، وعجزن عن الانتصاف منكم، فالله سبحانه علي قاهر كبير قادر، وهو سبحانه بالمرصاد ينتقم لهن منكم على ظلمكم إياهن، واستعلائكم عليهن بالباطل، وانتقاصكم لحقوقهن بكونكم أعلى يدا منهن وأكبر درجة، فهو الكبير المتعال، فلا يغيب عن بالكم أنه علي كبير قائم بالقسط، وينتصف من الظالم، فما أحسن مناسبة ختم هذه الآية بذلك) (١).

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن عطية -كما تقدم-، والرازي، والقرطبي، وأبو حيان، وأبو السعود، والقنوجي، ومحمد أبو زهرة، والدوسري كما تقدم. (٢).

وذكر بعض المفسرين مناسبات أخرى جمعها الرازي بقوله: (وذكر هاتين الصفتين في هذا الموضع في غاية الحسن، وبيانه من وجوه:

الأول: أن المقصود منه تهديد الأزواج على ظلم النسوان، والمعنى: أنهن ضعفن عن دفع ظلمكم، وعجزن عن الانتصاف منكم، فالله سبحانه علي، قاهر، كبير، قادر، ينتصف لهن منكم، ويستوفي حقهن منكم؛ فلا ينبغي أن تغتروا بكونكم أعلى يدا منهن، وأكبر درجة منهن.


(١) صفوة الآثار والمفاهيم ج ٥/ ص ٣٠٧، ٣٠٨.
(٢) انظر: المحرر الوجيز ص ٤٣٢، والتفسير الكبير ج ١٠/ ص ٧٤، والجامع لأحكام القرآن ج ٥/ ص ١٦٦، والبحر المحيط ج ٣/ ص ٣٤٣، وإرشاد العقل السليم ج ٢/ ص ١٧٤، وفتح البيان ج ٣/ ص ١٠٨، وزهرة التفاسير ج ٣/ ص ١٦٧١، وصفوة الآثار والمفاهيم ج ٥/ ص ٣٠٧، ٣٠٨.

<<  <   >  >>