للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكلتا المناسبتين صحيح والله أعلم، فالمقصود التحذير من هاتين الصفتين سواء أكانتا مانعتين ابتداء مما ندب الله إليه، أو كانتا ناشئتين في نفس المحسن بعد إحسانه افتخارا بعمله.

وما أشار إليه أبو حيان من انفصال قوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (٣٧)} عما قبله يصح. فقد تكون هذه الآية متصلة بما قبلها لبيان صفتهم، ويكون معنى الكتمان كتمان الرزق.

وقد تكون منفصلة عنها فتكون ابتداء حديث عن اليهود الذين بخلوا بإظهار العلم من صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فيكون معنى الكتمان كتمانهم ذلك.

قال ابن كثير: وقد حمل بعض السلف (١) هذه الآية على بخل اليهود بإظهار العلم الذي عندهم من صفة محمد -صلى الله عليه وسلم- وكتمانهم ذلك؛ ولهذا قال تعالى: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (٣٧)} … ولا شك أن الآية محتملة لذلك. والظاهر أن السياق في البخل بالمال، وإن كان البخل بالعلم داخلا في ذلك بطريق الأولى؛ فإن السياق في الإنفاق على الأقارب والضعفاء (٢).

٥٥ - مجتنب الكبائر ممن قد شاء الله غفران سيئاته (٣).

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨)} النساء: ٤٨.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وقد تقدم قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١)} [النساء: ٣١] وهي تدل على أن الله سبحانه يغفر سيئات من اجتنب الكبائر؛ فيكون مجتنب الكبائر ممن قد شاء الله غفران سيئاته) (٤).


(١) كابن عباس -رضي الله عنه-، ومجاهد، وسعيد بن جبير انظر: جامع البيان ج ٧/ ص ٢٢ - ٢٤، وتفسير ابن أبي حاتم ج ٣/ ص ٩٥١، والدر المنثور ج ٢/ ص ٥٣٨.
(٢) انظر: تفسير القرآن العظيم ج ٣/ ص ١٠٦.
(٣) وهو استنباط عقدي.
(٤) فتح القدير ج ١/ ص ٤٧٥، ٤٧٦.

<<  <   >  >>