للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني- رحمه الله- بطلان التقليد وقبحه (١).

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذم الكفار في تقليد آبائهم في دينهم؛ فدل ذلك بدلالة الاعتبار بقصص السابقين على إبطال التقليد.

قال الطوفي: (الآيات دلت على ذم التقليد، والمشهور المطابق لهذه الآية أنه متابعة الغير في قول أو فعل من غير دليل، بل لحسن ظن به، أو غلبة عادة وإلف) (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: الطوفي-كما تقدم-، والقنوجي. (٣).

وإنما جاز استنباط إبطال التقليد من هذه الآيات مع أنها في الكفار؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة الكفر والإيمان، وإنما وقع التشبيه بين المقلدين بغير حجة للمقلد، فالتقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت الآثام فيه.

قال ابن القيم: فإن قيل: إنما ذم من قلد الكفار وآباءه الذين لا يعقلون شيئا ولا يهتدون، ولم يذم من قلد العلماء المهتدين، بل قد أمر بسؤال أهل الذكر وهم أهل العلم، وذلك تقليد لهم، فقال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ … لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)} (٤) [النحل: من الآية ٤٣] وهذا أمر لمن لا يعلم بتقليد من يعلم؛ فالجواب: أنه سبحانه ذم من أعرض عما أنزله إلى تقليد الآباء، وهذا القدر من التقليد هو مما اتفق السلف، والأئمة الأربعة على ذمه وتحريمه، وأما تقليد من بذل جهده في اتباع ما أنزل الله، وخفي عليه بعضه فقلد فيه من هو أعلم منه؛ فهذا محمود غير مذموم، ومأجور غير مأزور … والله تعالى قال: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (٥) [الإسراء: من الآية ٣٦] والتقليد ليس بعلم باتفاق أهل العلم … فهذا المقلد إن كان يعرف ما أنزل الله على رسوله فهو مهتد وليس بمقلد، وإن كان لم يعرف ما أنزل الله على رسوله فهو جاهل ضال بإقراره على نفسه، فمن أين يعرف أنه على هدى في تقليده، وهذا جواب كل سؤال يوردونه في هذا الباب، وأنهم إذا كانوا إنما يقلدون أهل الهدى فهم في تقليدهم على الهدى … وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين المقلدين بغير حجة للمقلد، كما لو قلد رجلا فكفر، وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة فأخطأ وجهها؛ كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت الآثام فيه (٦).


(١) تقدم مثل هذا الاستنباط في المواضع: البقرة: ٢٢ (فتح القدير ج ١/ ص ٥٠)، والبقرة: ١٧٠ (ج ١/ ص ١٦٧)، والأنفال: ٢٤ (ج ٢/ ص ٢٩٩)، والتوبة: ٣١ (ج ٢/ ص ٣٥٣)، والأحزاب: ٦٧ (ج ٤/ ص ٣٠٦).
(٢) الإشارات الإلهية ج ٣/ ص ٢٣٧، ٢٣٨.
(٣) انظر: الإشارات الإلهية ج ٣/ ص ٢٣٧، ٢٣٨، وفتح البيان ج ١٢/ ص ٣٣٩ - ٣٤٤.
(٤) وتمامها: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ … لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)}.
(٥) وتمامها: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ … عَنْهُ مَسْئُولًا (٣٦)}.
(٦) انظر: إعلام الموقعين ج ٢/ ص ١٨٨ - ١٩٠.

<<  <   >  >>