للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المثال الثالث]

ما استنبطه الشوكاني من قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ … وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ … إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١)} [المؤمنون: ٩١] حيث قال -رحمه الله-: (ثم بين سبحانه ما يستلزمه ما يدعيه الكفار من إثبات الشريك فقال: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ … إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ}. وفي الكلام حذف تقديره: لو كان مع الله آلهة لانفرد كل إله بخلقه، واستبد به، وامتاز ملكه عن ملك الآخر، ووقع بينهم التطالب والتحارب والتغالب. {وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي: غلب القوي على الضعيف، وقهره، وأخذ ملكه كعادة الملوك من بني آدم، وحينئذ فذلك الضعيف المغلوب لا يستحق أن يكون إلها. وإذا تقرر عدم إمكان المشاركة في ذلك، وأنه لا يقوم به إلا واحد؛ تعين أن يكون هذا الواحد هو الله سبحانه، وهذا الدليل كما دل على نفي الشريك؛ فإنه يدل على نفي الولد لأن الولد ينازع أباه في ملكه) (١). (٢)

المبحث الرابع:

الاستنباط بدلالة التضمن

[تعريف دلالة التضمن]

هي دلالة اللفظ على جزء المعنى الذي وضع له (٣).

ويندر استعمال الشوكاني لهذه الدلالة، فلم أقف سوى على مثال واحد: هو ما استنبطه الشوكاني من قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧٥)} [البقرة: ٢٧٥] حيث قال -رحمه الله-: (وفي الآية دليل على فساد قول من قال: إن الصرع لا يكون من جهة الجن، وزعم أنه من فعل الطبائع، وقال: إن الآية خارجة على ما كانت العرب تزعمه من أن الشيطان يصرع الإنسان، وليس بصحيح، وإن الشيطان لا يسلك في الإنسان، ولا يكون منه مس. وقد استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن يتخبطه الشيطان … ) (٤).


(١) فتح القدير ج ٣/ ص ٤٩٦. وانظر: الاستنباط رقم: ١٥٥.
(٢) وانظر أمثلة أخرى للاستنباط بدلالة الالتزام في الاستنباطات: ٥، ١٩، ٣٤، ١١٨، ١٣٣، ١٨٤، ٢٠٣.
(٣) انظر: روضة الناظر ج ١، ص ٥٦، ٥٧، ومباحث أصولية في تقسيمات الألفاظ ص ٣٥٢، والوجيز في أصول الفقه الإسلامي ص ١٣٧.
(٤) فتح القدير ج ١/ ص ٢٩٥. وانظر: الاستنباط رقم: ٣٢.

<<  <   >  >>