للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني من الآية مشروعية الذكر في جميع الأحوال.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى أمر بذكره عند ملاقاة العدو في الحرب وهي حالة ترجف فيها القلوب، وتزيغ عندها البصائر، وعلى شدتها لم يرخص للرجل فيها بترك الذكر؛ فدل بدلالة تأمل أوامر الله تعالى على مشروعية الذكر في جميع الأحوال.

قال محمد بن كعب القرظي (١): (لو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا -عليه السلام-؛ يقول الله عز وجل: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا} (٢) [آل عمران: ٤١]، ولرخص للرجل يكون في الحرب يقول الله عز وجل: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}) (٣).

قال الآلوسي منبها إلى هذا الاستنباط: (وفي الآية تنبيه على أن العبد ينبغي أن لا يشغله شيء عن ذكر مولاه سبحانه، وذكره جل شأنه في مثل ذلك الموطن من أقوى أدلة محبته جل شأنه، ألا ترى من أحب مخلوقا مثله كيف يقول:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل … مني وبيض الهند تشرب من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها … برقت كبارق ثغرك المتبسم (٤) (٥).

وممن قال بهذا الاستنباط: الزمخشري، والبيضاوي، وأبو السعود، والآلوسي-كما تقدم-، والقنوجي، والقاسمي، والشنقيطي. (٦).


(١) هو أبو عبد الله، محمد بن كعب القرظي، المدني، تابعي، من أوعية العلم، عالم بالقرآن، كثير الحديث، توفي بعد المائة للهجرة. انظر: سير أعلام النبلاء ج ٥/ ص ٦٥ - ٦٧، وتهذيب التهذيب ج ٩/ ص ٣٧٣.
(٢) وتمامها: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)}.
(٣) أخرج أوله الطبري في جامع البيان ج ٥/ ص ٣٩١، وابن أبي حاتم ج ٢/ ص ٦٤٦، وعزاه السيوطي كاملا في الدر المنثور ج ٢/ ص ١٩٢ إلى ابن المنذر.
(٤) البيت لعنترة بن شداد. انظر: شرح ديوان عنترة للخطيب التبريزي ص ١٩١.
(٥) روح المعاني ج ١٠/ ص ١٣.
(٦) انظر: الكشاف ج ٢/ ص ٢١٤، وأنوار التنزيل ج ٣/ ص ١١٢، وإرشاد العقل السليم ج ٤/ ص ٢٥، وروح المعاني ج ١٠/ ص ١٣، وفتح البيان ج ٥/ ص ١٨٨، ومحاسن التأويل ج ٥/ ص ٣٠٤، وأضواء البيان ج ١/ ص ٤٧٤.

<<  <   >  >>