للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي هذا الاستنباط حث على معرفة الأمور بأدلتها، وعلى التثبت في كل أمر إذ لا يقوم إلا ما كان عليه برهان ودليل، وأما ما لا حجة عليه فلا يثبت.

قال الطوفي: ({إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} أي: لا حجة عندكم لاتخاذه ولدا، وهو يقتضي أن ما لا حجة عليه لا يثبت) (١).

١٠٣ - كان لمن آمن بموسى -عليه السلام- اهتمام بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة أنفسهم (٢).

قال تعالى: {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٨٦)} يونس: ٨٥ - ٨٦.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (ولما قدموا التضرع إلى الله سبحانه في أن يصون دينهم عن الفساد أتبعوه بسؤال عصمة أنفسهم فقالوا: {وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٨٦)} وفي هذا دليل على أنه كان لهم اهتمام بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة أنفسهم) (٣)

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٤) -رحمه الله- من الآية اهتمام من آمن بموسى -عليه السلام- بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة أنفسهم.

ووجه الاستنباط: أنهم سألوا الله تعالى صيانة الدين عن الفساد أولا فقالوا: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ثم سألوه أن يعصمهم ويحفظهم؛ فدل بدلالة التقديم على أن اهتمامهم بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة أنفسهم.

وسؤالهم صيانة الدين يحتمل وجهين:

الأول: أنهم سألوا الله أن يصون دينهم عن الفساد، إذ يحتمل أن يكون تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}: لا تسلطهم علينا فيفتنونا.

عن مجاهد -رضي الله عنه- في قوله: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} قال: لا تسلطهم علينا فيفتنونا (٥).


(١) الإشارات الإلهية ج ٢/ ص ٢٩٩.
(٢) وهو استنباط في علوم القرآن (قصص الأنبياء).
(٣) فتح القدير ج ٢/ ص ٤٦٦.
(٤) واستنبط غيره من الآية: أن الداعي حقه أن يبني دعاءه على التوكل على الله تعالى، فإنه أرجى للإجابة. ووجهه: ترتيب الدعاء على التوكل. انظر: أنوار التنزيل ج ٣/ ص ٢١٢، إرشاد العقل السليم ج ٤/ ص ١٧١، وروح المعاني ج ١١/ ص ١٧٠.
(٥) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ج ٢/ ص ٢٩٧، والطبري في جامع البيان ج ١٢/ ص ٢٥٢، وانظر: الدر المنثور ج ٤/ ص ٣٨٢.

<<  <   >  >>