للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثاني: أنهم سألوا الله أن يصون أولئك الكفار عن الافتنان في الدين، إذ يحتمل أن يكون تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}: أنهم سألوا الله أن لا يظهر عدوهم عليهم، فيظن أنه خير منهم، وأنه إنما سلط على المؤمنين لكرامته عليه، وهوان الآخرين، فيكون ذلك سببا في فتنة أعدائهم وفساد دينهم.

عن مجاهد -رضي الله عنه- {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} قال: لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من عندك فيقول قوم فرعون لو كانوا على الحق ما عذبوا، ولا سلطنا عليهم، فيفتنون بنا (١).

وعلى كلا التفسيرين يظهر اهتمام من آمن من قوم موسى -عليه السلام- بالدين، فعلى التفسير الأول كانت عنايتهم بصيانة دينهم فوق عنايتهم بنجاة أنفسهم.

وعلى التفسير الثاني يكون اهتمامهم بمصالح الدين في أقصى درجات الاهتمام حيث قدموا الاهتمام بصيانة دين الأعداء، وهدايتهم على عنايتهم بنجاة أنفسهم.

قال الرازي: (واعلم أن هذا الترتيب يدل على أنه كان اهتمام هؤلاء بأمر دينهم فوق اهتمامهم بأمر دنياهم، وذلك لأنا إن حملنا قولهم: {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} على أنهم إن سلطوا على المسلمين صار ذلك شبهة لهم في أن هذا الدين باطل، فتضرعوا إلي تعالى في أن يصون أولئك الكفار عن هذه الشبهة. وقدموا هذا الدعاء على طلب النجاة لأنفسهم، وذلك يدل على أن عنايتهم بمصالح دين أعدائهم فوق عنايتهم بمصالح أنفسهم.

وإن حملناه على أن لا يمكن الله تعالى أولئك الكفار من أن يحملوهم على ترك هذا الدين، كان ذلك أيضا دليلا على أن اهتمامهم بمصالح أديانهم فوق اهتمامهم بمصالح أبدانهم. وعلى جميع التقديرات فهذه لطيفة شريفة) (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: الرازي-كما تقدم- وابن عادل الحنبلي، والقنوجي. (٣).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ج ٦/ ص ١٩٧٦، وانظر: الدر المنثور ج ٤/ ص ٣٨٢.
(٢) التفسير الكبير ج ١٧/ ص ١١٨.
(٣) انظر: التفسير الكبير ج ١٧/ ص ١١٨، واللباب في علوم الكتاب ج ١٠/ ص ٣٩٤، وفتح البيان ج ٦/ ص ١٠٩.

<<  <   >  >>