للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- أن مناسبة تقييد قتل النبيين بأنه كان {بِغَيْرِ الْحَقِّ} نعي هذا الأمر عليهم، وتعظيمه، وأنه ظلم بحت في نفس الأمر؛ لأن قتلهم النبيين ليس بحق في اعتقادهم الباطل، فإنهم قتلوهم وهم يعلمون ويعتقدون أنهم ظالمون (١).

ووجه الاستنباط: أن قوله تعالى: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} لم يخرج مخرج التقييد بل هو توكيد لتعظيم الشنعة عليهم.

ويجوز أن يخرج قوله تعالى: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} مخرج الصفة لقتلهم (٢) بأنه ظلم في حقهم، وهو أبلغ في الشناعة والتعظيم لذنوبهم (٣)؛ لأن التصريح بصفة فعلهم القبيح أبلغ في ذمهم.

فهو وصف لازم وليس بقيد، فلا مفهوم له (٤)، إذ هو لبيان الواقع (٥)، ولم يرد على أن قتل النبيين ينقسم إلى قتل بحق، وقتل بغير حق (٦)، بل للتشنيع عليهم إذ قتلهم النبيين لم يكن عن سوء فهم أو فساد تأويل، وإنما هو عن خبث قصد وتصميم (٧).

ومعلوم أن الإتيان بالباطل قد يكون حقا لأن الآتي به اعتقده حقا؛ لشبهة وقعت في قلبه، وقد يأتي به مع علمه بكونه باطلا.

ولا شك أن الثاني أقبح فقوله: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي: أنهم قتلوهم من غير أن يكون ذلك القتل حقا في اعتقادهم وخيالهم، بل كانوا عالمين بقبحه، ومع ذلك فقد فعلوه (٨)، ولم يدَّعو في قتلهم وجهًا، يستحقون به القتل عندهم (٩).

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن عطية، والقرطبي، وأبو حيان، والآلوسي، والقنوجي، والقاسمي (١٠)، والسعدي، ومحمد أبو زهرة، وابن عثيمين. (١١).


(١) انظر: صفوة الآثار والمفاهيم ج ٢/ ص ١٦٤.
(٢) انظر: تفسير القرآن للسمعاني ج ١/ ص ٨٧، ومعالم التنزيل ج ١/ ص ٧٨، والسراج المنير ج ١/ ص ٧٣، وزهرة التفاسير ص ٢٥٣.
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٤٧٠.
(٤) انظر: البرهان في علوم القرآن ج ٣/ ص ١٢.
(٥) انظر: تفسير سورة البقرة لابن عثيمين ج ١/ ص ٢١٤.
(٦) انظر: البحر المحيط ج ١/ ص ٣٤٦.
(٧) انظر: صفوة الآثار والمفاهيم ج ٢/ ص ١٦٤.
(٨) انظر: التفسير الكبير ج ٣/ ص ٩٥.
(٩) انظر: الكشاف ج ١/ ١٧٤، ١٧٥، و البحر المحيط ج ١/ ص ٣٤٦.
(١٠) هو جمال الدين محمد بن محمد بن سعيد قاسم الحلاق، عالم مشارك في أنواع من العلوم، له مصنفات منها: تفسير "محاسن التأويل"، و"إصلاح المساجد من البدع والفوائد"، توفي سنة ثنتين وثلاثين وثلاثمائة وألف للهجرة. انظر: الأعلام ج ٢/ ص ١٣٥، ومعجم المؤلفين ج ١/ ص ٥٠٤.
(١١) انظر: المحرر الوجيز ص ٩٤، والجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٤٧٠، والبحر المحيط ج ١/ ص ٣٤٦، وروح المعاني ج ١/ ص ٢٧٦، ٢٧٧، وفتح البيان ج ١/ ص ١٨٤، ومحاسن التأويل ج ١/ ص ٣١٥، وتيسير الكريم الرحمن ص ٥٣، وزهرة التفاسير ص ٢٥٣، وتفسير سورة البقرة ج ١/ ص ٢١٤.

<<  <   >  >>