للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩٦ - من الكفار من يكون عدلا في دينه (١).

قال تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (٨٤)} التوبة: ٨٤.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وإنما وصفهم بالفسق بعد وصفهم بالكفر؛ لأن الكافر قد يكون عدلا في دينه. والكذب، والنفاق، والخداع، والجبن، والخبث مستقبحة في كل دين) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) من الآية أن من الكفار من يكون عدلا في دينه.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى وصف المنافقين بالفسق بعد وصفهم بالكفر، والفسق أدنى حالا من الكفر؛ فدل ذكر الفسق -الذي هو أدنى- بعد الكفر -الذي هو أعظم- على أن الكافر قد يكون عدلا في دينه، وهؤلاء المنافقون ليسوا كذلك.

وممن قال بهذا الاستنباط: الرازي، وابن عادل الحنبلي، والقنوجي، والهرري. (٤).

وفي هذا الاستنباط بيان لإنصاف القرآن لأعداء الله؛ فإنه نبه على ما قد يكون عند بعض الكافرين من أخلاق محمودة.

كما فيه بيان أن هؤلاء المنافقين جمعوا مع الكفر طريقة مذمومة من الكذب، والنفاق، والخداع، والمكر، والكيد، وهذا أبلغ في ذمهم.

قال الرازي: الكافر قد يكون عدلا في دينه، وقد يكون فاسقا في دينه، خبيثا، ممقوتا عند قومه، والكذب، والنفاق، والخداع، والمكر، والكيد أمر مستقبح في جميع الأديان، فالمنافقون لما كانوا موصوفين بهذه الصفات وصفهم الله تعالى بالفسق بعد أن وصفهم بالكفر تنبيها على أن طريقة النفاق طريقة مذمومة عند كل أهل العالم (٥).


(١) وهو استنباط فائدة علمية.
(٢) فتح القدير ج ٢/ ص ٣٨٩.
(٣) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) مشروعية الصلاة على المؤمنين، والوقوف على قبورهم. ووجهه: بمفهوم المخالفة (مفهوم الصفة). انظر: نكت القرآن ج ١/ ص ٥٦٤، والإكليل ج ٢/ ص ٨٢٥، وتيسير الكريم الرحمن ص ٣٤٧.
٢) إذا حضر الإمام جنازة فهو المقدم في الصلاة عليها دون الأولياء، إذ لو كان الأولياء أحق منه كان النهي واقعا على منع ولي عبد الله بن أبي سلول -الذي نزلت فيه الآية- من الصلاة عليه. انظر: نكت القرآن ج ١/ ص ٥٦٤، ٥٦٥.
(٤) انظر: التفسير الكبير ج ١٦/ ص ١٢٢، واللباب ج ١٠/ ص ١٣٤، وفتح البيان ج ٥/ ص ٣٦٢، وحدائق الروح والريحان ج ١١/ ص ٣٨٩.
(٥) انظر: التفسير الكبير ج ١٦/ ص ١٢٢.

<<  <   >  >>