للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنه لما تقوى بعضها ببعض حصل فيه كمال وتمام والله أعلم) (١).

فمجموع ما ذكره من أوجه يستأنس به في هذا المقام، وإن كان هذا من الاختلاف الذي لا فائدة تحته، ولا يحصل بمعرفة عددهم مصلحة للناس دينية ولا دنيوية، لكن المقصود معرفة وجه هذا الاستنباط، وبيان صحة الدلالة.

وممن قال بهذا الاستنباط: النسفي، وأبو حيان، وابن كثير، والسيوطي-كما تقدم- والبروسوي، والقنوجي، والسعدي، والهرري. (٢).

١٤٠ - المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب (٣).

قال تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (٦٦)} الكهف: ٦٦.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (في هذا السؤال ملاطفة، ومبالغة في حسن الأدب؛ لأنه استأذنه أن يكون تابعا له على أن يعلمه مما علمه الله من العلم وفي الآية دليل على أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب، وليس في ذلك ما يدل على أن الخضر أفضل من موسى، فقد يأخذ الفاضل عن الفاضل، وقد يأخذ الفاضل عن المفضول إذا اختص أحدهما بعلم لا يعلمه الآخر، فقد كان علم موسى علم الأحكام الشرعية، والقضاء بظاهرها، وكان علم الخضر علم بعض الغيب، ومعرفة البواطن) (٤).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٥) -رحمه الله- أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب.


(١) انظر: التفسير الكبير ج ٢١/ ص ٩١.
(٢) انظر: مدارك التنزيل ج ٣/ ص ٢٠، والبحر المحيط ج ٦، ص ١٤٢، ١٤٣، وتفسير القرآن العظيم ج ٥/ ص ١٤٧، ١٤٨، والإكليل ج ٣/ ص ٩٢٨، وروح البيان ج ٥/ ص ٢١٧، وفتح البيان ج ٨/ ص ٣٢، وتيسير الكريم الرحمن ص ٤٧٤، وحدائق الروح والريحان ج ١٦/ ص ٣٣٣.
(٣) وهو استنباط تربوي.
(٤) فتح القدير ج ٣/ ص ٢٩٩.
(٥) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) جواز التعاقد على تعليم القرآن والعلم؛ لأن موسى تعاقد مع الخضر على أن يعلمه. انظر: التحرير والتنوير ج ١٥/ ص ١٠٦.
٢) تواضع المتعلم لمن يتعلم منه ولو كان دونه في المرتبة، ووجهه: أن موسى -عليه السلام- استأذن الخَضِر في إثباتِ التبعيَّة؛ كأنَّه قال: تأذنُ لي على أن أجعل نفسي تبعاً لك، وهذه مبالغةٌ عظيمةٌ في التواضع، كما أنه قال: {تُعَلِّمَنِ} وهذا إقرارٌ منه على نفسه بالجهل، وعلى أستاذه بالعلم، وكذلك قوله: {مِمَّا عُلِّمْتَ}، وصيغة مِنْ للتبعيض، فطلب منه تعليم بعض ما علِّم، وهذا أيضاً إقرارٌ بالتواضع، كأنه يقول: لا أطلب منك أن تجعلني مساوياً لك في العلم، بل أطلب منك أن تعطيني جزءاً من الجزء ممَّا علِّمت. انظر: البحر المحيط ج ٦/ ص ١٨٤، واللباب ج ١٢/ ص ٥٣١، والإكليل ج ٣/ ص ٩٣٢.
٣) استحباب طلب العلم حتى للعالم زيادة على ما عنده اقتداء بموسى -عليه السلام-. انظر: الإشارات الإلهية ج ٢/ ٤٢٩.
٤) استحباب السفر في طلب العلم اقتداء بموسى -عليه السلام-. انظر: الإشارات الإلهية ج ٢/ ٤٢٩.

<<  <   >  >>