(٢) الإكليل ج ٣/ ص ٩٢٨. (٣) هذه العبارة ليست عند الشوكاني، ولعل القنوجي أفادها من الرازي إذ لم أقف عليها عند غيره فيما اطلعت عليه. (٤) فقال: قال أكثر المفسرين: هذا الأخير هو الحق، ويدل عليه وجوه: الأول: أن الواو في قوله: {وَثَامِنُهُمْ} هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالا عن المعرفة في نحو قولك: جاءني رجل ومعه آخر، ومررت بزيد وفي يده سيف. ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ … مَعْلُومٌ (٤)} [الحجر: ٤]، وفائدتها: توكيد ثبوت الصفة للموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر، فكانت هذه الواو دالة على صدق الذين قالوا إنهم كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، وأنهم قالوا قولا متقررا متحققا عن ثبات وعلم وطمأنينة نفس. الوجه الثاني: قالوا: إنه تعالى خص هذا الموضع بهذا الحرف الزائد وهو الواو، فوجب أن تحصل به فائدة زائدة صونا للفظ عن التعطيل، وكل من أثبت هذه الفائدة الزائدة قال: المراد منها تخصيص هذا القول بالإثبات والتصحيح. الوجه الثالث: أنه تعالى أتبع القولين الأولين بقوله: {رَجْمًا بِالْغَيْبِ}، وتخصيص الشيء بالوصف يدل على أن الحال في الباقي بخلافه؛ فوجب أن يكون المخصوص بالظن الباطل هو القولان الأولان، وأن يكون القول الثالث مخالفا لهما في كونهما رجما بالظن. والوجه الرابع: أنه تعالى لما حكى قولهم: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} قال بعده: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ}، فإتباع القولين الأولين بكونهما رجما بالغيب، وإتباع هذا القول الثالث بقوله: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} يدل على أن هذا القول ممتاز عن القولين الأولين بمزيد القوة والصحة. والوجه الخامس: أنه تعالى قال: {مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} وهذا يقتضي أنه حصل العلم بعدتهم لذلك القليل، وكل من قال من المسلمين قولا في هذا الباب قالوا إنهم كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، فوجب أن يكون المراد من ذلك القليل هؤلاء الذين قالوا هذا القول. كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول كانوا سبعة، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول أنا من ذلك العدد القليل وكان يقول إنهم سبعة وثامنهم كلبهم. الوجه السادس: أنه تعالى لما قال: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} والظاهر أنه تعالى لما حكى الأقوال فقد حكى كل ما قيل من الحق والباطل؛ لأنه يبعد أنه تعالى ذكر الأقوال الباطلة ولم يذكر ما هو الحق؛ فثبت أن جملة الأقوال الحقة والباطلة ليست إلا هذه الثلاثة، ثم خص الأولين بأنهما رجم بالغيب، فوجب أن يكون الحق هو هذا الثالث. الوجه السابع: أنه تعالى قال لرسوله: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٢٢)} فمنعه الله تعالى عن المناظرة معهم، وعن استفتائهم في هذا الباب، وهذا إنما يكون لو علمه حكم هذه الواقعة، وأيضا أنه تعالى قال: {مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} ويبعد أن يحصل العلم بذلك لغير النبي ولا يحصل للنبي، فعلمنا أن العلم بهذه الواقعة حصل للنبي عليه السلام، والظاهر أنه لم يحصل ذلك العلم إلا بهذا الوحي؛ لأن الأصل فيما سواه العدم، وأن يكون الأمر كذلك، فكان الحق هو قوله: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}. واعلم أن هذه الوجوه وإن كان بعضها أضعف من بعض إلا أنه لما تقوى بعضها ببعض حصل فيه كمال وتمام والله أعلم. انظر: التفسير الكبير ج ٢١/ ص ٩٠، ٩١. وانظر مثله في اللباب ج ١٢، ص ٤٥٦، ٤٥٧.