للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة الحاقة]

٢١١ - حرمان المسكين من أعظم الجرائم، وأشد المآثم (١).

قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣٤)} الحاقة: ٣٣ - ٣٤.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (والمعنى: أنه لا يحث نفسه أو غيره على بذل نفس طعام المسكين، وفي جعل هذا قرينا لترك الإيمان بالله من الترغيب في التصدق على المساكين، وسد فاقتهم، وحث النفس والناس على ذلك ما يدل أبلغ دلالة، ويفيد أكمل فائدة على أن منعهم من أعظم الجرائم وأشد المآثم) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- أن حرمان المسكين من أعظم الجرائم، وأشد المآثم.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى لما قرر الأسباب التي أدخلت الكفار النار ذكر أعظمها وهو عدم الإيمان بالله، ثم ذكر سببا آخر هو حرمان المسكين، والامتناع من حث النفس والغير على التصدق، فقرنه بالكفر؛ فدل بدلالة الاقتران على أن حرمان المسكين من أعظم الجرائم، وأشد المآثم.

وذكر الزمخشري هذا الوجه كما ذكر وجها آخر، فقال: (وفي قوله: {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣٤)} دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المسكين:

أحدهما: عطفه على الكفر، وجعله قرينة له.

والثاني: ذكر الحض دون الفعل؛ ليعلم أن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل) (٤).

ويمكن أن يكون وجه الاستنباط تخصيص هذه الخلة من خلال الكافر بالذكر. قال البيضاوي: (ولعل تخصيص الأمرين بالذكر لأن أقبح العقائد الكفر بالله تعالى، وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب) (٥).


(١) وهو استنباط فائدة علمية.
(٢) فتح القدير ج ٥/ ص ٢٨٥.
(٣) واستنبط غيره من قوله تعالى: {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣٤)} استنباطات أخرى، منها:
١) أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع؛ لأنهم يعاقبون على ترك الامتثال بها. انظر: أنوار التنزيل ج ٥/ ص ٣٨٣، والتفسير الكبير ج ٣٠/ ص ١٠٢.
٢) فيه إشارة إلى أنه كان لا يؤمن بالبعث؛ لأن الناس لا يطلبون من المساكين الجزاء فيما يطعمونهم، وإنما يطعمونهم لوجه الله ورجاء الثواب في الآخرة، فإذا لم يؤمن بالبعث لم يكن له ما يحمله على إطعامهم، أي أنه مع كفره لا يحرض غيره على إطعام المحتاجين. انظر: مدارك التنزيل ج ٤/ ص ٤٢٢، ٤٢٣.
(٤) الكشاف ج ٤/ ص ٦٠٨.
(٥) أنوار التنزيل ج ٥/ ص ٣٨٣.

<<  <   >  >>