للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (١) -رحمه الله- من الآية أن من حبسه العذر عن الجهاد يعطى مثل أجر المجاهد.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى نفى استواء القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر؛ فدل بمفهوم المخالفة أن من قعد عن الجهاد بعذر يعطى مثل أجر المجاهد.

قال الشنقيطي: (وقوله في هذه الآية الكريمة: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} يفهم من مفهوم مخالفته أن من خلفه العذر إذا كانت نيته صالحة يحصل ثواب المجاهد) (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: القرطبي، والسيوطي، والقنوجي، والشنقيطي كما تقدم. (٣).

وخالفهم آخرون، منهم: الجصاص، وابن عطية.

فقال الجصاص: (فإن قيل: هل في الآية دلالة على مساواة أولي الضرر للمجاهدين في سبيل الله من أجل معنى الاستثناء فيها؛ قيل له: لا دلالة فيها على التساوي؛ لأن الاستثناء ورد من حيث كان مخرج الآية تحريضا على الجهاد وحثا عليه، فاستثنى أولي الضرر إذ ليسوا مأمورين بالجهاد، لا من حيث ألحقوا بالمجاهدين) (٤).


(١) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) الجهاد فرض كفاية لا فرض عين؛ لأن القاعدين لو كانوا تاركين فرضا لما ناسب ذلك وعده لهم الصادق بالحسنى وهي الجنة والثواب الجزيل. انظر: أحكام القرآن للجصاص ج ٣/ ص ٢٢٧، وتفسير القرآن العظيم ج ٣/ ص ١٩٢، و وأضواء البيان ج ١/ ص ٢٠٦.
٢) قالت الشافعية: دلت الآية على أن الاشتغال بالنوافل أفضل من الاشتغال بالنكاح؛ لأنا بينا أن الجهاد فرض على الكفاية بدليل قوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} ولو كان الجهاد من فروض الأعيان لما كان القاعد عن الجهاد موعودا من عند الله بالحسنى، إذا ثبت هذا فنقول: إذا قامت طائفة بالجهاد سقط الفرض عن الباقين، فلو أقدموا عليه كان ذلك من النوافل لا محالة، ثم إن قوله: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥)} يتناول جميع المجاهدين سواء كان جهاده واجبا أو مندوبا، والمشتغل بالنكاح قاعد عن الجهاد؛ فثبت أن الاشتغال بالجهاد المندوب أفضل من الاشتغال بالنكاح والله أعلم. انظر: التفسير الكبير ج ١١/ ص ٩، ١٠.
٣) الغنى أفضل من الفقر؛ لأن الله تعالى فضَّل المجاهد بماله على المجاهد بغير ماله. انظر: أحكام القرآن بن الفرس ج ٢/ ص ٢٥٧، والإكليل ج ٢/ ص ٥٨٤.
(٢) أضواء البيان ج ١/ ص ٢٠٦.
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٥/ ص ٣٢٥، والإكليل ج ٢/ ص ٥٨٤، وفتح البيان ج ٣/ ص ٢١٠، وأضواء البيان ج ١/ ص ٢٠٦.
(٤) أحكام القرآن ج ٣/ ص ٢٢٧.

<<  <   >  >>