للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة البلد]

٢١٦ - القُرَب الصالحة إنما تنفع مع الإيمان (١).

قال تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧)} البلد: ١١ - ١٧.

قال الشوكاني -رحمه الله-: ({ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧)} عطف على المنفي بلا، وجاء ب (ثم) للدلالة على تراخي رتبة الإيمان، ورفعة محله. وفيه دليل على أن هذه القرب إنما تنفع مع الإيمان. وقيل: المعنى ثم كان من الذين آمنوا بأن هذا نافع لهم. وقيل: المعنى أنه أتى بهذه القرب لوجه الله) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- أن القُرَب الصالحة إنما تنفع مع الإيمان.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى بعد أن ذكر العاقبة الحسنة لبعض القُرَب كالعتق والإطعام ذكر الإيمان به سبحانه بلفظ ثم الدال على رفعة محل الإيمان، فهو مقدم لأنه أعلى شأنا؛ فدل على أن القُرَب الصالحة إنما تنفع مع الإيمان.

وممن قال بهذا الاستنباط: البغوي، والقرطبي، والقنوجي، والهرري. (٤).

وهذا الاستنباط على أن ثم هنا للتراخي في الذكر لا في الوجود، وعلى أنها لتراخي مرتبة الإيمان، وتباعده في الرتبة.

وقد ذكر الرازي هذين الوجهين وغيرهما، فقال: فإن قيل: لما كان الإيمان شرطا للانتفاع بهذه الطاعات وجب كونه مقدما عليها، فما السبب في أن الله تعالى أخره عنها بقوله: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}؟

والجواب من وجوه:


(١) وهو استنباط عقدي.
(٢) فتح القدير ج ٥/ ص ٤٤٥.
(٣) واستنبط ابن جزي أن الإيمان أعلى من العتق والإطعام، قال: (ثم هنا للتراخي في الرتبة لا في الزمان، وفيها إشارة إلى أن الإيمان أعلى من العتق والإطعام). التسهيل لعلوم التنزيل ج ٤/ ص ٢٠١.
(٤) انظر: معالم التنزيل ج ٤/ ص ٤٩٠، والجامع لأحكام القرآن ج ٢٠/ ص ٦٤، وفتح البيان ج ١٥/ ص ٢٤٧، وحدائق الروح والريحان ج ٣٢/ ص ٢١، ٢٢.

<<  <   >  >>