(٢) تقدم بيان مفهوم الموافقه، وأقسامه، ومسمياته في الفصل الثاني من الباب الأول. وفي الآية اختلف الأصوليُّون في أنَّ دلالة هذا اللفظ على المنع من سائر أنواع الإيذاء دلالةٌ لفظيةٌ، أو دلالة مفهومة بالقياس، فقيل: إنها دلالة لفظية، لأنَّ أهل العرف، إذا قالوا: لا تقل لفلانٍ أفٍّ عنوا به أنَّه لا يتعرض له بنوعٍ من أنواع الأذى. وقيل: إنَّ هذا اللفظ، إنَّما دلَّ على المنعِ من سائر أنواعِ الأذى بالقياس الجليِّ. ورجح ابن عادل الحنبلي القياس، فقال: فالمنع من التأفيف إنما دلَّ على المنع من الضرب بالقياس الجليِّ، من باب الاستدلال بالأدنى على الأعلى؛ لأنَّ التأفيف غير الضرب، فالمنع من التأفيف لا يكون منعاً من الضرب، وأيضاً: المنع من التأفيف لا يستلزم المنع من الضرب عقلاً؛ لأنَّ الملك الكبير، إذا أخذ ملكاً عظيماً كان عدُوًّا له فقد يقول للجلاَّد: إيَّاك أن تستخفَّ به أو تشافهه بكلمة موحشةٍ، لكن اضرب رقبته، وإذا كان هذا معقولاً في الجملة، علمنا أنَّ المنع من التأفيف يغاير المنع من الضرب، وغير مستلزم للمنع من الضرب في الجملة إلاَّ أنَّا علمنا في هذه الصورة: أنَّ المقصود من هذا الكلام المبالغة في تعظيم الوالدين؛ لقوله تعالى: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣)}، فكانت دلالة المنع من التأفيف على المنع من الضرب بالقياس من باب الاستدلال بالأدنى على الأعلى. انظر: اللباب ج ١٢/ ص ٢٥٧، ٢٥٨. وبمثله قال الآلوسي في روح المعاني ج ١٥/ ص ٥٥. والنهي عن ذلك يدل على المنع من سائر أنواع الإيذاء قياسا جليا لأنه يفهم بطريق الأولى. (٣) فتح القدير ج ٣/ ص ٢١٨.