للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٠ - من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليس بمهتد (١).

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)} المائدة: ١٠٥.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وليس في الآية ما يدل على سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٢)، فإن من تركه مع كونه من أعظم الفروض الدينية فليس بمهتد، وقد قال الله


(١) وهو استنباط عقدي.
(٢) بيَّن الرازي الأوجه التي تحمل عليها الآية، مجيبا عن توهم أن فيها جواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: فإن قيل ظاهر هذه الآية يوهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير واجب؛ قلنا الجواب عنه من وجوه:
الأول: وهو الذي عليه أكثر الناس أن الآية لا تدل على ذلك، بل توجب أن المطيع لربه لا يكون مؤاخذا بذنوب العاصي، فأما وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فثابت بالدلائل.
والوجه الثاني في تأول الآية: ما روي عن ابن مسعود وابن عمر -رضي الله عنه- أنهما قالا: قوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} يكون هذا في آخر الزمان.
والوجه الثالث في تأويل الآية: ما ذهب إليه عبد الله بن المبارك قال: هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه قال: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} وهذا كقوله: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: من الآية ٥٤] يعني أهل دينكم بأن يعظ بعضكم بعضا، ويرغب بعضكم بعضا في الخيرات، وينفره عن القبائح والسيئات؛ والذي يؤكد ذلك ما بينا أن قوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} معناه: احفظوا أنفسكم فكان ذلك أمرا بأن نحفظ أنفسنا، فإن لم يكن ذلك الحفظ إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان ذلك واجبا.
والوجه الرابع: أن الآية مخصوصة بالكفار الذين علم أنه لا ينفعهم الوعظ ولا يتركون الكفر بسبب الأمر بالمعروف، فهاهنا لا يجب على الإنسان أن يأمرهم بالمعروف، والذي يؤكد هذا القول ما ذكرنا في سبب النزول أن الآية نازلة في المنافقين حيث عيروا المسلمين بأخذ الجزية من أهل الكتاب دون المشركين.
الوجه الخامس: أن الآية مخصوصة بما إذا خاف الإنسان عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نفسه، أو على عرضه، أو على ماله، فهاهنا عليه نفسه لا تضره ضلالة من ضل ولا جهالة من جهل.
الوجه السادس: لا يضركم إذا اهتديتم فأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ضلال من ضل فلم يقبل ذلك.
الوجه السابع: عليكم أنفسكم من أداء الواجبات التي من جملتها الأمر بالمعروف عند القدرة، فإن لم يقبلوا ذلك فلا ينبغي أن تستوحشوا من ذلك، فإنكم خرجتم عن عهدة تكليفكم فلا يضركم ضلال غيركم. انظر: التفسير الكبير ج ١٢/ ص ٩٣، ٩٤.

<<  <   >  >>