للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٢٥ - مناسبة ختم ذكر كثرة النعم والقصور عن إحصائها بمغفرة الله ورحمته؛ لبيان أن الله لا يؤاخذ بالغفلة عن شكر نعمه، والقصور عن إحصائها (١).

قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨)} النحل: ١٨.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وما أحسن ما ختم به هذا الامتنان الذي لا يلتبس على إنسان، مشيرا إلى عظيم غفرانه وسعة رحمته فقال: {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨)} أي: كثير المغفرة والرحمة، لا يؤاخذكم بالغفلة عن شكر نعمه، والقصور عن إحصائها، والعجز عن القيام بأدناها، ومن رحمته إدامتها عليكم، وإدرارها في كل لحظة، وعند كل نفس تتنفسونه، وحركة تتحركون بها) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- أن مناسبة ختم ذكر كثرة النعم والقصور عن إحصائها بمغفرة الله ورحمته؛ بيان أن الله لا يؤاخذ بالغفلة عن شكر نعمه، والقصور عن إحصائها.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر كثرة النعم والقصور عن إحصائها، ثم ختم ذلك بذكر مغفرته ورحمته دون غيرهما من الأسماء والصفات؛ فدل ذلك بدلالة تأمل خاتمة الآية والربط بينها وبين الآية على أن الله لا يؤاخذ بالغفلة عن شكر نعمه، والقصور عن إحصائها.

وممن قال بهذا الاستنباط: الزمخشري، والرازي، وأبو حيان، والبقاعي، والقنوجي، والهرري. (٤).

ومن أراد أن يعرف تقصيره، وقصوره عن شكر أدنى نعمة نظر في نفسه، فكل جزء من أجزاء بدن الإنسان لو ظهر فيه أدنى خلل لنغص العمر على الإنسان، وتمنى أن ينفق الدنيا لو كانت في ملكه حتى يزول عنه ذلك الخلل، ثم إنه سبحانه يدبر أحوال بدن الإنسان على الوجه الملائم له، مع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك الجزء ولا بمصالحه ومفاسده، فهذا مثال تقاس عليه سائر نعم الله تعالى حتى يعرف الإنسان تقصيره، وقصوره عن شكر أدنى نعمة فضلاً عن جميعها (٥).


(١) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة).
(٢) فتح القدير ج ٣/ ص ١٥٤.
(٣) واستنبط الشنقيطي من الآية أن المفرد إذا كان اسم جنس وأضيف إلى معرفة فإنه يعم؛ لأن نعمة الله مفرد أضيف إلى معرفة فعم النعم. انظر: أضواء البيان ج ٢/ ص ١٣٧.
(٤) انظر: الكشاف ج ٢/ ص ٥٦١، والتفسير الكبير ج ٢٠/ ص ١٣، والبحر المحيط ج ٥/ ص ٦١٧، ونظم الدرر ج ٤/ ص ٢٥٦، وفتح البيان ج ٧/ ص ٢٢٤، وحدائق الروح والريحان ج ١٥/ ص ١٦٧.
(٥) انظر: غرائب القرآن ورغائب الفرقان ج ٧/ ص ٤٦٦.

<<  <   >  >>