للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (١) -رحمه الله- من الآية الإرشاد إلى شهود الجماعة، والخروج إلى المساجد (٢).

ووجه الاستنباط: أن الله أمر بالصلاة أولا ثم أمر بالركوع مع الراكعين فدلت المعية على شهود الجماعة، والخروج إلى المساجد.

أما السعدي فقد استنبط من الآية -بدلالة الالتزام- وجوب صلاة الجماعة، فقال: (وقوله: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} أي صلوا مع المصلين. ففيه الأمر بالجماعة للصلاة ووجوبها) (٣).

قال ابن القيم: (ووجه الاستدلال بالآية -على وجوب صلاة الجماعة- أنه سبحانه أمرهم بالركوع وهو الصلاة، وعبر عنها بالركوع لأنه من أركانها والصلاة يعبر عنها بأركانها وواجباتها، كما سماها الله سجودا، وقرآنا، وتسبيحا، فلا بد لقوله: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} من فائدة أخرى، وليست إلا فعلها مع جماعة المصلين، والمعية تفيد ذلك. إذا ثبت هذا، فالأمر المقيد بصفة أو حال لا يكون المأمور ممتثلا إلا بالإتيان به على تلك الصفة والحال) (٤).

وخالف ابن عثيمين -مع قوله بوجوب صلاة الجماعة- في دلالة مع في الآية على المصاحبة في الفعل، فقال: واستدل بهذه الآية بعض العلماء على وجوب صلاة الجماعة، لكن في هذا الاستدلال شيء؛ لأنه لا يلزم من المعية المصاحبة في الفعل، ولهذا قيل لمريم: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} [آل عمران: ٤٣]، والنساء ليس عليهن جماعة؛ إذا لا نسلم أن هذه الآية تدل على وجوب صلاة الجماعة، ولكن وجوب صلاة الجماعة ثابت بأدلة أخرى ظاهرة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة (٥).

والجواب عن ذلك قول ابن القيم: (فإن قيل: فهذا -أي: الاستدلال بقوله تعالى:

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} على وجوب صلاة الجماعة- ينتقض بقوله تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} [آل عمران: ٤٣] والمرأة لا يجب عليها حضور الجماعة، قيل: الآية لم تدل على تناول الأمر بذلك لكل امرأة بل مريم بخصوصها أمرت بذلك بخلاف قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} ومريم كانت لها خاصة لم تكن لغيرها من النساء، فإن أمها نذرتها أن تكون محررة لله، ولعبادته، ولزوم المسجد، وكانت لا تفارقه؛ فأمرت أن تركع مع أهله، ولما اصطفاها الله، وطهرها على نساء العالمين أمرها من طاعته بأمر اختصها به على سائر النساء، قال تعالى {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} [آل عمران: ٤٢ - ٤٣]. فإن قيل: كونهم مأمورين أن يركعوا مع الراكعين لا يدل على وجوب الركوع معهم حال ركوعهم، بل يدل على الإتيان بمثل ما فعلوا كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)} [التوبة: ١١٩] فالمعية تقضي المشاركة في الفعل، ولا تستلزم المقارنة فيه، قيل: حقيقة المعية مصاحبة ما بعدها لما قبلها، وهذه المصاحبة تفيد زائدا على المشاركة، ولا سيما في الصلاة، فإنه إذا قيل: صل مع الجماعة، أو صليت مع الجماعة لا يفهم منه إلا اجتماعهم على الصلاة) (٦).


(١) واستنبط غيره من الآية أن الركوع ركن من أركان الصلاة؛ لأنه عبر عن الصلاة بالركوع، والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها بدلالة اللزوم. انظر: تيسير الكريم الرحمن ص ٥١.
(٢) واستنبط الشوكاني مثل هذا الاستنباط من قوله تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} [آل عمران: ٤٣]. وسيأتي بيانه في موضعه.
(٣) تيسير الكريم الرحمن ص ٥١.
(٤) الصلاة وحكم تاركها ص ١٤٠.
(٥) انظر: تفسير سورة البقرة ج ١/ ص ١٥٧.
(٦) الصلاة وحكم تاركها ص ١٤٠.

<<  <   >  >>