للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

واستنباط الشوكاني صحيح من حيث دلالة الآية على شهود صلاة الجماعة، والخروج إلى المساجد.

وقد شدَّد -رحمه الله- في الحث عليها -مع قوله بأنها سنة مؤكدة- بقوله: (ولكن المحروم من حُرِم صلاة الجماعة، فإن صلاة يكون أجرها أجر سبع وعشرين صلاة لا يعدل عنها إلى صلاة ثوابها ثواب جزء من سبعة وعشرين جزءا منها إلا مغبون، ولو رضي لنفسه في المعاملات الدنيوية بمثل هذا لكان مستحقا لحجره عن التصرف في ماله لبلوغه من السفه إلى هذه الغاية، والتوفيق بيد الرب سبحانه) (١).

وقوله: (وقد تقرر أن الجمع بين الأحاديث ما أمكن هو الواجب، و تبقية الأحاديث المشعرة بالوجوب على ظاهرها من دون تأويل، والتمسك بما يقتضي به الظاهر فيه إهدار للأدلة القاضية بعدم الوجوب وهو لا يجوز، فأعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب أن صلاة الجماعة من السنن المؤكدة التي لا يخل بملازمتها ما أمكن إلاَّ محروم مشؤوم، وأمَّا أنها فرض عين، أو كفاية، أو شرط لصحة الصلاة فلا) (٢).

أما القول بسنية صلاة الجماعة، وكذا القول بأنها فرض كفاية فقولان معتبران لكل منهما دليله، لكن الأظهر-والله أعلم- الوجوب؛ لأدلة كثيرة، منها:

١ - عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة، فقال: نعم؛ قال: فأجب" (٣).

وإذا لم يرخص للأعمى الذي لم يجد قائدا فغيره أولى (٤).

٢ - عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا، أو مرماتين حسنتين؛ لشهد العشاء" (٥). وفى رواية: "لولا ما في البيوت من النساء والذرية" (٦). فبين أنه إنما يمنعه من تحريق المتخلفين عن الجماعة من في البيوت من النساء والأطفال، فإن تعذيب أولئك لا يجوز؛ لأنه لا جماعة عليهم. ومن قال: إن هذا كان في الجمعة، أو كان لأجل نفاقهم فقوله ضعيف، فان المنافقين لم يكن النبي يقتلهم لأجل النفاق، بل لا يعاقبهم إلا بذنب ظاهر، فلولا أن التخلف عن الجماعة ذنب يستحق صاحبه العقاب لما عاقبهم (٧).


(١) السيل الجرار ج ١/ ص ٢٤٦.
(٢) نيل الأوطار ج ٣/ ص ١٥٨.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب: المساجد، باب: يجب إتيان المسجد على من سمع النداء، رقم: ٦٥٣، ج ١/ ص ٤٥٢.
(٤) المغني ج ٢/ ص ٣.
(٥) أخرجه البخاري في كتاب: الجماعة والإمامة، باب: وجوب صلاة الجماعة، رقم:، ج ١/ ص ٢٣١. واللفظ له. ومسلم في كتاب: المساجد، باب: فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها، رقم: ٦٥١، ج ١/ ص ٤٥١.
(٦) في مسند أحمد رقم: ٨٧٨٢، ج ٢/ ص ٣٦٧.
(٧) راجع مجموع الفتاوى ج ٢٣/ ص ٢٣٩، ٢٤٠، وكتاب: الصلاة وحكم تاركها لابن القيم ص ١٣٥ وما بعدها.

<<  <   >  >>