للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن عطية، وابن الفرس (١)، وابن جزي، وابن عاشور. (٢).

٩ - من أخذ من المسلمين رشوة على إبطال حق أمر الله به، أو إثبات باطل نهى الله عنه؛ فقد اشترى بآيات الله ثمنا قليلا (٣).

قال تعالى: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ … بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)} البقرة: ٤١.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وهذه الآية وإن كانت خطابا لبني إسرائيل ونهيا لهم فهي متناولة لهذه الأمة بفحوى الخطاب أو بلحنه، فمن أخذ من المسلمين رشوة على إبطال حق أمر الله به، أو إثبات باطل نهى الله عنه، أو امتنع من تعليم ما علمه الله، وكتم البيان الذي أخذ الله عليه ميثاقه به؛ فقد اشترى بآيات الله ثمنا قليلا) (٤).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٥) -رحمه الله- من الآية أن من أخذ من المسلمين رشوة على إبطال حق أمر الله به، أو إثبات باطل نهى الله عنه؛ أو امتنع من تعليم ما علمه الله، وكتم البيان الذي أخذ الله عليه ميثاقه به فقد اشترى بآيات الله ثمنا قليلا.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى نهى بني إسرائيل المعاصرين للنبي -صلى الله عليه وسلم- النداء لأولاد إسرائيل -عليه السلام- من عهد موسى -عليه السلام-، ولكن المخاطبين هم الذين عاصروا النبي لأنهم أقروا بما كان عليه أسلافهم (٦) - عن أخذ الرشا لكتمان أمر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، إذ الآيات هنا هي الإيمان بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، والثمن القليل ما ينتفعون به في الدنيا من بقاء رياستهم، وأخذ الرشا على تغيير أمر محمد -صلى الله عليه وسلم- (٧). وهذا النهي يتناول المسلمين من هذه الأمة، ودلالة الآية عليه بمفهوم الموافقة المساوي -لحن الخطاب- لمساواتهم في الخطاب ببني إسرائيل، ولأن كل من أخذ من المسلمين رشوة على إبطال حق أمر الله به، أو إثبات باطل نهى الله عنه، أو امتنع من تعليم ما علمه الله، وكتم البيان الذي أخذ الله عليه ميثاقه به فحكمه موافق للحكم المنطوق به في الآية؛ أو أن المسلمين محذَّورون من مثله، منهيون عنه بطريق الأولى- فحوى الخطاب-؛ لأن المسلمين أولى بالكمالات النفسية. ولا سيما علماءهم فإنهم منهيون عن أن يأتوا بما نُهي عنه بنو إسرائيل من الصدف عن الحق لأغراض الدنيا، وكذلك كانت سيرة السلف رضي الله عنهم (٨).


(١) هو أبو عبد الله، عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الخزرجي، فقيه مالكي، قاضٍ، نحوي، من علماء غرناطة، توفي سنة ٥٩٩ هـ. انظر: طبقات المفسرين للداودي ج ١/ ص ٣٥٦، ومعجم المفسرين ج ١/ ص ٣٣٥،
(٢) انظر: المحرر الوجيز ص ٧٧، وأحكام القرآن ج ١/ ص ٥٨، والتسهيل لعلوم التنزيل ج ١/ ص ٤٤، والتحرير والتنوير ج ١/ ص ٤١٨.
(٣) وهو استنباط فقهي.
(٤) فتح القدير ج ١/ ص ٧٤.
(٥) واستنبط غيره من الآية أن النهي في قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ … بِهِ} عن المسابقة إلى الكفر به، ولا يقتضي إباحة الكفر في ثاني حال؛ لأن هذا مفهوم معطل، بل يقتضي الأمر بمبادرتهم إلى الإيمان به؛ لما يجدون من ذكره، ولما يعرفون من علامته. وهذا من مفهوم الخطاب الذي المذكور فيه والمسكوت عنه حكمهما واحد، فالأول والثاني وغيرهما داخل في النهي، ولكن حذروا البدار إلى الكفر به إذ على الأول كفل من فعل المقتدي. انظر: المحرر الوجيز ص ٨١، والتسهيل لعلوم التنزيل ج ١/ ص ٤٦.
(٦) انظر: روح المعاني ج ١/ ص ٢٤١، وزهرة التفاسير ج ١/ ص ٢٠٦، وحدائق الروح والريحان ج ١/ ص ٣٥١.
(٧) انظر: التسهيل لعلوم التنزيل ج ١/ ص ٤٦.
(٨) انظر: التحرير والتنوير ج ١/ ص ٤٥١.

<<  <   >  >>