للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ثالثا: الاستنباطات في معاني التكرار.]

هذا النوع من علوم القرآن هو أقل موضوعات علوم القرآن ورودا عند الشوكاني، فلم يرد سوى ثلاث مرات فقط.

[أمثلة على الاستنباطات في معاني التكرار]

[المثال الأول]

استنبط الشوكاني من قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)} [البقرة: ٥] معنى تكرار لفظ (أولئك) (١)؛ فقال -رحمه الله-: (وفي تكرير اسم الإشارة دلالة على أن كلا من الهدى والفلاح المستقل بتميزهم به عن غيرهم، بحيث لو انفرد أحدهما لكفى تميزا على حاله) (٢).

[المثال الثاني]

استنبط الشوكاني معنى تكرار قوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠)} [القمر: ٤٠] (٣)؛ فقال -رحمه الله-: (ولعل وجه تكرير تيسير القرآن للذكر في هذه السورة الإشعار بأنه منة عظيمة لا ينبغي لأحد أن يغفل عن شكرها) (٤).

[المثال الثالث]

استنبط الشوكاني معنى تكرار لفظ (الناس) في قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣)} [الناس: ١ - ٣] (٥)؛ فقال -رحمه الله-: (وقوله:

{مَلِكِ النَّاسِ (٢)} عطف بيان جيء به لبيان أن ربيته سبحانه ليست كربية سائر الملاك لما تحت أيديهم من مماليكهم، بل بطريق الملك الكامل، والسلطان القاهر. {إِلَهِ النَّاسِ (٣)} هو أيضا عطف بيان كالذي قبله؛ لبيان أن ربوبيته وملكه قد انضم إليهما المعبودية المؤسسة على الألوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلي بالاتحاد والإعدام، وأيضا الرب قد يكون ملكا وقد لا يكون ملكا، كما يقال: رب الدار، ورب المتاع، ومنه قوله:

{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (٦) [التوبة: ٣١] فبين أنه ملك الناس، ثم الملك قد يكون إلها وقد لا يكون، فبين أنه إله؛ لأن اسم الإله خاص به لا يشاركه فيه أحد، وأيضا بدأ باسم الرب وهو اسم لمن قام بتدبيره وإصلاحه من أوائل عمره إلى أن صار عاقلا كاملا، فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك فذكر أنه ملك الناس، ثم لما علم أن العبادة لازمة له واجبة عليه، وأنه عبد مخلوق، وأن خالقه إله معبود بين سبحانه أنه إله الناس. وكرر لفظ الناس في الثلاثة المواضع؛ لأن عطف البيان يحتاج إلى مزية الإظهار، ولأن التكرير يقتضي مزيد شرف الناس) (٧).


(١) انظر: الاستنباط رقم: ٣.
(٢) فتح القدير ج ١/ ص ٣٧، ٣٨.
(٣) انظر: الاستنباط رقم: ٢٠١.
(٤) فتح القدير ج ٥/ ص ١٢٧.
(٥) انظر: الاستنباط رقم: ٢١٩.
(٦) وتمامها: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)}.
(٧) فتح القدير ج ٥/ ص ٥٢٢.

<<  <   >  >>