للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وممن قال بهذا الاستنباط: القرطبي، وأبو حيان، والبقاعي، والسيوطي، وأبو السعود. (١).

واستنباط الشوكاني لهذا المعنى من هذه الآية دقيق. كما استنبط معنى قريبا منه من قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١٠٧)} [آل عمران: ١٠٧] فقال: "قوله: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} أي: في جنته ودار كرامته، عبر عن ذلك بالرحمة إشارة إلى أن العمل لا يستقل بدخول صاحبه الجنة، بل لا بد من الرحمة" (٢).

٢٤ - تفضيل الحرة المؤمنة على الحرة المشركة (٣).

قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١)} البقرة: ٢٢١.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (قوله: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ} أي: ولرقيقة مؤمنة. وقيل: المراد بالأمة الحرة؛ لأن الناس كلهم عبيد الله وإماؤه. والأول أولى لما سيأتي (٤)؛ لأنه الظاهر من اللفظ، ولأنه أبلغ، فإن تفضيل الأمة الرقيقة المؤمنة على الحرة المشركة؛ يستفاد منه تفضيل الحرة المؤمنة على الحرة المشركة بالأولى) (٥).


(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٣/ ص ٤٩، والبحر المحيط ج ٢/ ص ٢٤٤، ونظم الدرر ج ١/ ص ٤٠٧، وقطف الأزهار ج ١/ ص ٤٥٤، وإرشاد العقل السليم ج ١/ ص ٢١٨.
(٢) فتح القدير ج ١/ ص ٣٧٠.
(٣) وهو استنباط في العقيدة، واستنباط في التفسير؛ لشدة تعلقه بمعنى الآية.
(٤) يعني سبب نزول: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} الذي أورده في جزء الرواية، قال: (وأخرج الواحدى، وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك، عن ابن عباس -رضي الله عنهم- في قوله تعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} قال: نزلت في عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه-، وكانت له أمة سوداء، وأنه غضب عليها فلطمها، ثم إنه فزع، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره خبرها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- له: ما هي يا عبد الله؟ قال: تصوم، وتصلي، وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال: يا عبد الله هذه مؤمنة، فقال عبد الله: فو الذي بعثك بالحق لأعتقنها، ولأتزوجنها، ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين، وقالوا: نكح أمة، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين، وينكحوهم؛ رغبة في أحسابهم، فأنزل الله فيهم {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ}. [انظر: أسباب النزول للواحدي ص ١٨٧، ولباب النقول ص ٤٢، ٤٣، والدر المنثور ج ١/ ص ٦١٥]. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن السدي مثله. [انظر: جامع البيان ج ٣/ ص ٧١٧، وتفسير ابن أبي حاتم ج ٢/ ص ٣٩٨، والعجاب في بيان الأسباب ص ٣٦١، وعزاه إلى ابن المنذر السيوطي في الدر المنثور ج ١/ ص ٦١٥]. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ} قال: بلغنا أنها كانت أمة لحذيفة، سوداء، فأعتقها، وتزوجها حذيفة [انظر: تفسير ابن أبي حاتم ج ٢/ ص ٣٩٩، والعجاب في بيان الأسباب ص ٣٦٢]). فتح القدير ج ١/ ص ٢٢٥.
(٥) فتح القدير ج ١/ ص ٢٢٤.

<<  <   >  >>