للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وممن قال بهذا الاستنباط: القرطبي، والطوفي -كما تقدم-، وابن كثير، والقنوجي، وابن عاشور، وابن عثيمين. (١).

٣٩ - لا يستقل العمل بدخول صاحبه الجنة، بل لا بد من رحمة الله (٢).

قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١٠٧)} آل عمران: ١٠٧.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (قوله: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} أي في جنته ودار كرامته، عبر عن ذلك بالرحمة إشارة إلى أن العمل لا يستقل (٣) بدخول صاحبه الجنة، بل لا بد من الرحمة، ومنه حديث: "لن يدخل أحد الجنة بعمله" وهو في الصحيح (٤) (٥).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- أن العمل لا يستقل بدخول صاحبه الجنة، بل لابد من رحمة الله تعالى.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى قال عمن ابيضت وجوههم أنهم في رحمته، أي في جنته (٦) ودار كرامته، فعبر عن ذلك بالرحمة؛ فدلت مناسبة اللفظ على أن العمل لا يستقل بدخول صاحبه الجنة، فلو استغرق عمره كله في طاعة الله فإنه لن يدخل الجنة إلا برحمة الله.


(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٤/ ص ١١٥، والإشارات الإلهية ج ١/ ص ٤١١، وتفسير القرآن العظيم ج ٢/ ص ٣٦٣، وفتح البيان ج ٢/ ص ٢٦٨، والتحرير والتنوير ج ٣/ ص ١٣٢، وتفسير سورة آل عمران ج ١/ ص ٤٢٤، ٤٢٥.
(٢) وهو استنباط في الرقائق وفي العقيدة باعتبار الرجاء والخوف من أعظم أعمال القلوب.
(٣) تظهر دقة الشوكاني في اختياره كلمة (لا يستقل) إذ نبه بها على أن العمل لابد منه.
(٤) عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها كانت تقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " سددوا، وقاربوا، وأبشروا فإنه لن يدخل الجنة أحدا عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل". أخرجه البخاري، في كتاب: الرقاق، باب: القصد والمداومة على العمل، رقم: ٦١٠٢، ج ٥/ ص ٢٣٧٣. وأخرجه مسلم- واللفظ له- في كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله تعالى، رقم: ٢٨١٨، ج ٤/ ص ٢١٧١.
(٥) فتح القدير ج ١/ ص ٣٧٠.
(٦) قال الطبري: في رحمة الله يعني: في جنته، ونعيمها، وما أعد الله لأهلها فيها. جامع البيان ج ٥/ ص ٦٦٧. وانظر تفسير القرآن العظيم ج ٢/ ص ٣٩٤.

<<  <   >  >>