للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحكى الآلوسي مناسبة أخرى لمجيء كلمة الإطماع هنا فقال: (وقيل: إن الأوصاف المذكورة وإن أوجبت الاهتداء ولكن الثبات عليها مما لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد يطرأ ما يوجب ضد ذلك والعبرة للعاقبة، فكلمة التوقع يجوز أن تكون لهذا).

ثم تعقبها بقوله: (ولا يخفى ما فيه. فإن النظر إلى العاقبة هنا لا يناسب المقام الذي يقتضي تفضيل المؤمنين عليهم في الحال) (١).

ويتنبه إلى أن في قوله تعالى: {فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)} أيضا تحذيرا للمؤمنين من الاغترار بأحوالهم، والاتكال على أعمالهم.

قال أبو السعود: (وفيه لطف للمؤمنين، وترغيب لهم في ترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء، ورفض الاغترار بالله تعالى) (٢).

وقال الآلوسي: (وفيه قطع اتكال المؤمنين على أعمالهم وما هم عليه، وإرشادهم إلى ترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء، وهذا هو المناسب للمقام) (٣).

٨٩ - على العباد أن يقولوا إن شاء الله في كل ما يتكلمون به مما له تعلق بالزمن المستقبل، كما عليهم ألا يفتروا عن دعاء الله والتضرع إليه (٤).

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨)} التوبة: ٢٨.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفائدة التقييد بالمشيئة التعلم للعباد بأن يقولوا ذلك في كل ما يتكلمون به مما له تعلق بالزمن المستقبل، ولئلا يفتروا عن الدعاء والتضرع) (٥).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٦) من الآية أن على العباد أن يقولوا إن شاء الله في كل ما يتكلمون به مما له تعلق بالزمن المستقبل، كما أن عليهم ألا يفتروا عن الدعاء والتضرع.


(١) روح المعاني ج ١٠/ ص ٦٦.
(٢) إرشاد العقل السليم ج ٤/ ص ٥١.
(٣) روح المعاني ج ١٠/ ص ٦٦.
(٤) وهو استنباط في الدعوات والذكر.
(٥) فتح القدير ج ٢/ ص ٣٥٠.
(٦) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) الكفار مخاطبون بالشريعة؛ لأن ظاهر الآية توجه النهي إلى المشركين. انظر: محاسن التأويل ج ٥/ ص ٣٧٦.
٢) تعلق القلب بالأسباب في الرزق جائز، وليس ذلك بمناف للتوكل، وإن كان الرزق مقدرا، وأمر الله وقسمه مفعولا، ولكنه علقه بالأسباب حكمةً؛ ليعلم القلوب التي تتعلق بالأسباب من القلوب التي تتوكل على رب الأرباب، والسبب لا ينافي التوكل. انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٨/ ص ٩٨.
٣) المراد من المسجد الحرام جميع الحرم، والدليل عليه قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وذلك لأن موضع التجارات ليس هو عين المسجد، فلو كان المقصود من هذه الآية المنع من المسجد خاصة لما خافوا بسبب هذا المنع من العيلة، وإنما يخافون العيلة إذا منعوا من حضور الأسواق والمواسم. انظر: التفسير الكبير ج ١٦/ ص ٢١، ٢٢.

<<  <   >  >>