للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط الأول: أن الله تعالى لما وعد عباده المؤمنين بأنه سيغنيهم قيد الإغناء بالمشيئة؛ فدل هذا بدلالة التقييد، والاقتداء بأفعال الله تعالى على أن على العباد أن يقولوا إن شاء الله في كل ما يتكلمون به مما له تعلق بالزمن المستقبل.

أما الاستنباط الثاني فوجهه: أن التقييد دال على حث العباد على ألا يفتروا عن الدعاء والتضرع؛ حيث نبههم بأن الإغناء بمشيئته، لا سبب له غيره؛ فلا يحصل عندهم الاعتماد على حصول هذا المطلوب، بل ينقطعوا إليه وحده متضرعين.

قال البيضاوي: قيده بالمشيئة لتنقطع الآمال إلى الله تعالى (١).

وقال الآلوسي: ذلك-أي الإغناء- بإرادته، لا سبب له غيرها، حتى ينقطعوا إليه سبحانه، ويقطعوا النظر عن غيره (٢).

وممن قال باستنباط الشوكاني: الرازي، والقنوجي. (٣).

إلا أن الرازي نبه إلى ما ذكرهما الشوكاني، وزاد عليه، فقال: (ولسائل أن يسأل فيقول: الغرض بهذا الخبر إزالة الخوف بالعيلة، وهذا الشرط يمنع من إفادة هذا المقصود، وجوابه من وجوه:

الأول: أن لا يحصل الاعتماد على حصول هذا المطلوب، فيكون الإنسان أبدا متضرعا إلى الله تعالى في طلب الخيرات ودفع الآفات.

الثاني: أن المقصود من ذكر هذا الشرط تعليم رعاية الأدب كما في قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} (٤) [الفتح: من الآية ٢٧].

الثالث: أن المقصود التنبيه على أن حصول هذا المعنى لا يكون في كل الأوقات وفي جميع الأمور؛ لأن إبراهيم -عليه السلام- قال في دعائه: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} (٥) [البقرة: من الآية ١٢٦]، وكلمة من تفيد التبعيض، فقوله تعالى في هذه الآية: {إِنْ شَاءَ} المراد منه ذلك التبعيض).


(١) انظر: أنوار التنزيل ج ٣/ ص ١٣٩.
(٢) انظر: روح المعاني ج ١٠/ ص ٧٧.
(٣) انظر: التفسير الكبير ج ١٦/ ص ٢٢، وفتح البيان ج ٥/ ص ٢٧٠.
(٤) وتمامها: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (٢٧)}.
(٥) وتمامها: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ … فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ … الْمَصِيرُ (١٢٦)}

<<  <   >  >>