للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة القصص]

١٧١ - كانت الإجارة (١) مشروعة عند أهل مدين (٢).

قال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦)} القصص: ٢٦.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (أي: استأجره ليرعى لنا الغنم. وفيه دليل على أن الإجارة كانت عندهم مشروعة) (٣).


(١) الإجارة: تمليك المنفعة بعوض. انظر: التعريفات للجرجاني ص ٢٣، وأنيس الفقهاء للقونوي ص ٢٥٩، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص ٣٥.
والإجارة مجمع على جوازها كما في المغني، قال: الأصل في جواز الإجارة الكتاب، والسنة، والإجماع. أما الكتاب فقول الله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦]. وقال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦)}.
وأما السنة فثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر استأجرا رجلا من بني الديل هاديا خريتا. وروى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله عز وجل: ثلاثة أنه خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره". والأخبار في هذا كثيرة.
وأجمع أهل العلم في كل عصر وكل مصر على جواز الإجارة، إلا ما يحكى عن عبد الرحمن- أي الأصم- أنه قال: لا يجوز ذلك لأنه غرر، يعني أنه يعقد على منافع لم تخلق، وهذا غلط لا يمنع انعقاد الإجماع الذي سبق في الأعصار وسار في الأمصار، والعبرة أيضا دالة عليها فإن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز العقد على الأعيان وجب أن تجوز الإجارة على المنافع، ولا يخفى ما بالناس من الحاجة إلى ذلك فإنه ليس لكل أحد دار يملكها، ولا يقدر كل مسافر على بعير أو دابة يملكها، ولا يلزم أصحاب الأملاك إسكانها وحملهم تطوعا، وكذلك أصحاب الصنائع يعملون بأجر، ولا يمكن كل أحد عمل ذلك ولا يجد متطوعا به فلا بد من الإجارة لذلك، بل ذلك مما جعله الله طريقا للرزق، حتى أن أكثر المكاسب بالصنائع، وما ذكره من الغرر لا يلتفت إليه مع ما ذكرنا من الحاجة. انظر: المغني ج ٥/ ص ٢٥٠.
(٢) وهو استنباط فقهي، وفي علوم القرآن (قصص الأنبياء).
(٣) فتح القدير ج ٤/ ص ١٦٩.

<<  <   >  >>