للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة الرعد]

١١٩ - مناسبة ختم ذكر اختلاف مذاق الثمرات وتفاضل بعضها مع كونها من تربة واحدة، وتسقى بماء واحد بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)} (١).

قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)} الرعد: ٤.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي هذه الدلالة على بديع صنعه، وعظيم قدرته ما لا يخفي على من له عقل، فإن القطع المتجاورة والجنات المتلاصقة المشتملة على أنواع النبات مع كونها تسقى بماء واحد، وتتفاضل في الثمرات في الأكل، فيكون طعم بعضها حلوا والآخر حامضا، وهذا في غاية الجودة، وهذا ليس بجيد، وهذا فائق في حسنه، وهذا غير فائق مما يقطع من تفكر واعتبر ونظر نظر العقلاء أن السبب المقتضي لاختلافها ليس إلا قدرة الصانع الحكيم جل سلطانه وتعالى شأنه؛ لأن تأثير الاختلاف فيما يخرج منها ويحصل من ثمراتها لا يكون في نظر العقلاء إلا لسببين، إما اختلاف المكان الذي هو المنبت، أو اختلاف الماء الذي تسقى به، فإذا كان المكان متجاورا، وقطع الأرض متلاصقة، والماء الذي تسقى به واحدا لم يبق سبب للاختلاف في نظر العقل إلا تلك القدرة الباهرة والصنع العجيب؛ ولهذا قال الله سبحانه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)} أي: يعملون على قضية العقل وما يوجبه، غير مهملين لما يقتضيه من التفكر في المخلوقات، والاعتبار في العبر الموجودات) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- أن مناسبة ختم ذكر اختلاف مذاق الثمرات، وتفاضل بعضها مع كونها من تربة واحدة، وتسقى بماء واحد بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)} لأنه ليس في نظر العقل ما يفسر ذلك إلا بالقدرة الباهرة، والصنع العجيب.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر اختلاف مذاق الثمرات، وأشكالها، وألوانها مع اتفاق الماء، والتربة، وليس في نظر العقل ما يفسر ذلك إلا بالقدرة الباهرة والصنع العجيب؛ ولهذا ناسب أن تختم الآية بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)}؛ لأن هذه الآية العظيمة من الوضوح بحال لا يحتاج ناظره في الاعتبار به إلى غير العقل. ودلالة هذا الاستنباط هي الربط بين أجزاء الآية بطريق تأمل خواتيم الآيات.


(١) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة).
(٢) فتح القدير ج ٣/ ص ٦٥.

<<  <   >  >>