للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦٣ - انطواء ما أنزله سبحانه على أسرار بديعة لا تبلغ إليها عقول البشر (١).

قال تعالى: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٦)} الفرقان: ٦

قال الشوكاني -رحمه الله-: (فأجاب سبحانه عن هذه الشبهة بقوله: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: ليس ذلك مما يفترى ويفتعل بإعانة قوم وكتابة آخرين من الأحاديث الملفقة، وأخبار الأولين، بل هو أمر سماوي أنزله الذي يعلم كل شيء لا يغيب عنه شيء من الأشياء؛ فلهذا عجزتم عن معارضته، ولم تأتوا بسورة منه. وخص السر للإشارة إلى انطواء ما أنزله سبحانه على أسرار بديعة لا تبلغ إليها عقول البشر. والسر الغيب أي يعلم الغيب الكائن فيهما) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- من الآية انطواء ما أنزله سبحانه على أسرار بديعة لا تبلغ إليها عقول البشر.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى لما نفى عن القرآن شبهة أن يكون مفترى، وأثبت أنه من عنده سبحانه قال: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فخص السر دون غيره من الألفاظ، ودون ذكر الشهادة مع أنه سبحانه عالم بالغيب والشهادة؛ فدل ذلك التخصيص على انطواء القرآن على أسرار بديعة لا تبلغ إليها عقول البشر.

قال الآلوسي: (للإيذان بانطواء ما أنزله على أسرار مطوية عن عقول البشر) (٣).

وممن قال بهذا الاستنباط: الآلوسي، والقنوجي، والهرري. (٤). وأشار إليه البيضاوي، وأبو السعود. (٥).


(١) وهو استنباط عقدي لتعلقه بالنبوات، وفي علوم القرآن (لتعلقه بمناسبة لفظ السر). وهو استنباط بلاغي أيضا. قال القرطبي: وذكر السر دون الجهر لأنه من علم السر فهو في الجهر أعلم، ولو كان القرآن مأخوذا من أهل الكتاب وغيرهم لما زاد عليها، وقد جاء بفنون تخرج عنها، فليس مأخوذا منها. ولو كان مأخوذا من هؤلاء لتمكن المشركون منه أيضا كما تمكن محمد -صلى الله عليه وسلم- فهلا عارضوه! فبطل اعتراضهم من كل وجه. الجامع لأحكام القرآن ج ١٣/ ص ٧.
(٢) فتح القدير ج ٤/ ص ٦٢.
(٣) روح المعاني ج ١٨/ ص ٢٣٦.
(٤) انظر: روح المعاني ج ١٨/ ص ٢٣٦، وفتح البيان ج ٩/ ص ٢٨٤، وحدائق الروح والريحان ج ١٩/ ص ٤٨١.
(٥) انظر: أنوار التنزيل ج ٤/ ص ٢٠٧، وإرشاد العقل السليم ج ٦/ ص ٢٠٣.

<<  <   >  >>