للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة آل عمران]

٣٥ - مناسبة ذكر الله رأفته بعباده بعد أن حذرهم نفسه؛ للجمع بين الترهيب والترغيب (١).

قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠)} آل عمران: ٣٠.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي قوله: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠)} دليل على أن هذا التحذير الشديد مقترن بالرأفة منه سبحانه بعباده؛ لطفا بهم) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- مناسبة ذكر رأفة الله بعباده بعد أن حذرهم -سبحانه-نفسه؛ لبيان أن هذا التحذير الشديد مقترن بالرأفة منه سبحانه بعباده؛ لطفا بهم، فيكون فيه جمع بين الترهيب والترغيب.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى قرن بين التهديد والرأفة، والترهيب والترغيب؛ فقال- مؤكدا ومهددا ومتوعدا-: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} أي: يخوفكم عقابه، وذكر النفس؛ للإيذان بأن له عقابا هائلا (٤) ثم قال جل جلاله مرجيا لعباده؛ لئلا ييأسوا من رحمته، ويقنطوا من لطفه: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠)} (٥)، والذي دل على هذا المعنى دلالة الربط بين أجزاء الآية.


(١) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة).
(٢) فتح القدير ج ١/ ص ٣٣٢.
(٣) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) فائدة تكرار قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} - إذ وردت هنا، وجاءت قبلها في قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨)} [آل عمران: ٢٨]- لاختلاف متعلقهما، فالأول في سياق الوعيد، والثاني في سياق حذر التفويت للخير. انظر: أسرار التكرار في القرآن للكرماني ج ١/ ص ٤٧، وقطف الأزهار ج ١/ ص ٥٨٠، وحدائق الروح والريحان ج ٤/ ص ٢٦٠.
٢) ينبغي استعمال الأسلوب المناسب للحال؛ لأن الله قال هنا: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، وفي آيات كثيرة يتحبب إلى عباده. تفسير سورة آل عمران لابن عثيمين ج ١/ ص ١٨٧.
(٤) انظر: إرشاد العقل السليم ج ٢/ ص ٢٣.
(٥) انظر: تفسير القرآن العظيم ج ٢/ ص ٣٣٦، وحدائق الروح والريحان ج ٤/ ص ٢٦٠.

<<  <   >  >>