للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذه طريقة القرآن يقرن بين أسماء الرجاء وأسماء المخافة، فأمثال هذه الآية كثير، منها: قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)} [البقرة: ٢٣٥]، وكقوله: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨)} [المائدة: ٩٨].

قال ابن القيم: (ثم عقب ذلك بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} (١) أن تتعدوا ما حد لكم؛ فإنه مطلع على ما تسرون وما تعلنون، ثم قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)} لولا مغفرته وحلمه؛ لعنتم غاية العنت؛ فإنه سبحانه مطلع عليكم، يعلم ما في قلوبكم، ويعلم ما تعملون، فإن وقعتم في شيء مما نهاكم عنه؛ فبادروا إليه بالتوبة والاستغفار؛ فإنه الغفور الحليم. وهذه طريقة القرآن يقرن بين أسماء الرجاء وأسماء المخافة كقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨)}) (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن عطية، والبيضاوي، والنسفي (٣)، وأبو حيان، وابن جزي، وابن كثير، والقنوجي. (٤).


(١) وتمام الآية: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)}.
(٢) جلاء الأفهام ص ١٧٤، ١٧٥.
(٣) المفسر أبو البركات، عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، فقيه، مفسر، أصولي، من فقهاء الحنفية، له مصنفات جليلة منها: "مدارك التنزيل وحقائق التأويل"، "تأويلات القرآن"، توفي سنة عشر وسبعمائة للهجرة. انظر: الأعلام ج ٤، ص ٦٧، ومعجم المفسرين ج ١/ ص ٣٠٤.
(٤) انظر: المحرر الوجيز ص ٢٩٠، وأنوار التنزيل ج ٢/ ص ٢٧، ومدارك التنزيل ج ١/ ص ٢٣٢، والبحر المحيط ج ٢/ ص ٦٨٦، والتسهيل لعلوم التنزيل ج ١/ ص ١٠٤، وتفسير القرآن العظيم ج ٢/ ص ٣٣٦، وفتح البيان ج ٢/ ص ٢١٨.

<<  <   >  >>