للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويجوز أن تكون المناسبة بيان أن التحذير رأفة (١)، كما قال الحسن: من رأفته بهم أن حذرهم نفسه (٢).

وأيَّد ابن عثيمين هذه الوجه من المناسبة بقوله: (استشكل بعض العلماء إتيان قوله: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠)} بعد قوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}. وقال: كان مقتضى الحال أن يقال: ويحذركم الله نفسه والله شديد العقاب؛ لأن مقام التحذير يقتضي الوعيد. فأجيب عن ذلك: بأن من رأفته عز وجل بالعباد أن حذرهم نفسه، وأخبرهم بأن الأمر عظيم؛ لأن إخبار الإنسان بحقيقة الحال لا شك أنه من الرأفة به) (٣).

ولا تزاحم بين المناسبات فكلتا المناسبتين جائز.

قال أبو حيان: لما ذكر صفة التخويف وكررها؛ كان ذلك مزعجا للقلوب، ومنبها على إيقاع المحذور، مع ما قرن بذلك من اطلاعه على خفايا الأعمال، وإحضاره لها يوم الحساب، وهذا هو الاتصاف بالعلم والقدرة، اللذين يجب أن يحذر لأجلهما؛ فذكر صفة الرحمة; ليطمع في إحسانه، وليبسط الرجاء في أفضاله، فيكون ذلك من باب ما إذا ذكر ما يدل على شدة الأمر؛، ذكر ما يدل على سعة الرحمة كقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)} [الأنعام: ١٦٥] (٤) … قالوا: ويحتمل أن يكون إشارة إلى التحذير، أي: إن تحذيره نفسه، وتعريفه حالها من العلم والقدرة من الرأفة العظيمة بالعباد; لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة وحذروا؛ دعاهم ذلك إلى طلب رضاه، واجتناب سخطه … والكلام محتمل لذلك، لكن الأظهر الأول، وهو أن يكون ابتداء إعلامه بهذه الصفة على سبيل التأنيس والإطماع؛ لئلا يفرط الوعيد على قلب المؤمن (٥).


(١) انظر: المحرر الوجيز ص ٢٩٠، والتفسير الكبير ج ٨/ ص ١٥، ومدارك التنزيل ج ١/ ص ٢٣٢، وروح المعاني ج ٣/ ص ١٤٢، وزهرة التفاسير ج ٢/ ص ١١٨٢، و ١١٨٣.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره ج ٥/ ص ٣٢٤، وابن أبي حاتم في تفسيره ج ٢/ ص ٦٣٢، وعزاه إلى ابن المنذر السيوطي في الدر المنثور ج ٢/ ص ١٧٧.
(٣) تفسير سورة آل عمران ج ١/ ص ١٨٦.
(٤) وتمام الآية: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ … فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)}.
(٥) انظر: البحر المحيط ج ٢/ ص ٦٨٦.

<<  <   >  >>