للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا شك أن التقليد الذي جوزه القرطبي هو الموافق للكتاب والسنة؛ بدليل أنه جعله عصمة للمسلمين، وليس في كلام الشوكاني عن التقليد ما يخالف هذا، ولكن التقليد الذي هو عصمة يسميه الشوكاني الاتباع، فإنه فرَّق بين التقليد، والاتباع، فالتقليد الذي يقصده الشوكاني في كلامه هو ما يسميه غيره تقليدا مذموما، أما ما يسميه غيره بتقليد حسن أو جائز أو غير مذموم فإن الشوكاني يسميه الاتباع أي العمل بقول الغير مع معرفة دليله (١).

قال الآلوسي: (وأما إتباع الغير في الدين بعد العلم بدليل ما إنه محق؛ فإتباع في الحقيقة لما أنزل الله تعالى وليس من التقليد المذموم في شيء) (٢).

ورأى ابن عاشور أن هذه الآية ليس لها تعلق بأمر التقليد، فقال: (وليس لهذه الآية تعلق بأحكام الاجتهاد والتقليد؛ لأنها ذم للذين أبوا أن يتبعوا ما أنزل الله، فأما التقليد فهو تقليد للمتبعين ما أنزل الله) (٣).

ومقصود الشوكاني -رحمه الله- التحذير والتنبيه إلى أن التقليد بغير علم للدليل قد يفضي إلى مخالفة الكتاب والسنة كما حدث في عصره، فيكون التقليد الذي استنبط الشوكاني منعه وذمه هو كتقليد الكفار في تمسكهم بما عندهم دون دليل.

٢١ - مناسبة ذكر الرأفة بعد ذكره سبحانه البائعين أنفسهم ابتغاء مرضاته عز وجل؛ أنه أوجب عليهم ما أوجبه ليجازيهم ويثيبهم عليه فكان ذلك رأفة بهم (٤).

قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧)} البقرة: ٢٠٧.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (ووجه ذكر الرأفة هنا أنه أوجب عليهم ما أوجبه؛ ليجازيهم، ويثيبهم عليه، فكان ذلك رأفة بهم، ولطفا لهم) (٥).


(١) راجع تعريف الاتباع، والفرق بينه وبين التقليد، وتفريق الشوكاني بينهما عند الآية ٢٢ من سورة البقرة في هذا البحث.
(٢) روح المعاني ج ٢/ ص ٤١.
(٣) التحرير والتنوير ج ٢/ ص ١٠٩.
(٤) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة).
(٥) فتح القدير ج ١/ ص ٢٠٩.

<<  <   >  >>