للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله نهى عباده عن مقاربة الزنا، ومخالطة أسبابه ودواعيه، ومباشرة مقدماته؛ فدل ذلك بمفهوم الموافقة- مفهوم الأولى- وبقاعدة: الوسيلة إلى الشيء إذا كانت حراما كان المتوسل إليه حراما على النهي عن الزنا.

ويمكن القول بأن النهي عن قربه نهي عنه بدلالة الالتزام. قال أبو حيان: (فنهى عن قربان

الزنا، واستلزم ذلك النهي عن الزنا) (١).

وهذا الاستنباط مبناه على سر اختيار النهي عن القرب دون النهي عن الزنا ذاته، وهو مقصود بلا شك، قال النسفي: (وهو نهى عن دواعي الزنا، كالمس والقبلة ونحوهما، ولو أريد النهي عن نفس الزنا لقال ولا تزنوا) (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: القنوجي، والهرري. (٣).

وفي النهي عن مقدماته بيان لخطورته وتشديد على النهي عنه؛ لأن الله لما نهى عن قربانه دل ذلك على خطورة الاقتراب فكيف بمباشرة الفعل ذاته.

ولذا كان النهي عن قربان الزنا أبلغ؛ لأن المقصود التحذير من كل ما يؤدي إليه.

قال محمد أبو زهرة: وهذا يتضمن النهي عن كل ما يؤدي إلى الزنا، أو يظن أنه يؤدي إليه، كالقبلة، والملامسة، ورؤية الأجزاء المغرية من جسم المرأة، والرقص الذي يثير الغريزة، وأصوات النساء المغرية التي تتلوى فيها المرأة بما يثير ويدفع، ونشر الصور العارية، وغير ذلك مما نراه ونسمعه كل يوم، فكل ذلك منهي عنه، وهو حرام؛ لأنه قرب من الزنا أو ذريعة إليه، وكل ما كان حراما في ذاته فذريعته ممنوعة، وهذا باب يسمى في الفقه سد الذرائع، فكل ما يؤدي إلى حرام لذاته يكون حراما لأنه يؤدي إليه (٤).

١٣٥ - إنكار الكفار أن يكون الرسول بشرا ليس إلا مجرد قول قالوه بأفواههم لا دليل عليه ولا برهان (٥).

قال تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤)} الإسراء: ٩٤.

قال الشوكاني -رحمه الله-: ({إِلَّا أَنْ قَالُوا} أي: ما منعهم إلا قولهم، فهو في محل رفع على أنه فاعل منع، والهمزة في {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤)} للإنكار منهم أن يكون الرسول بشرا، والمعنى: أن هذا الاعتقاد الشامل لهم وهو إنكار أن يكون الرسول من جنس البشر هو الذي منعهم عن الإيمان بالكتاب وبالرسول. وعبر عنه بالقول للإشعار بأنه ليس إلا مجرد قول قالوه بأفواههم) (٦).


(١) البحر المحيط ج ٦/ ص ٤٠.
(٢) مدارك التنزيل ج ٢/ ص ٤٥٢.
(٣) انظر: فتح البيان ج ٧/ ص ٣٨٥، وحدائق الروح والريحان ج ١٦/ ص ٨٤.
(٤) انظر: زهرة التفاسير ج ٨/ ص ٤٣٧٥.
(٥) وهو استنباط عقدي لتعلقه بالرسالة.
(٦) فتح القدير ج ٣/ ص ٢٦٠.

<<  <   >  >>