للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة الفرقان]

١٦٢ - دفع الضر أهم من جلب النفع (١).

قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (٣)} الفرقان: ٣

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وقدم ذكر الضر لأن دفعه أهم من جلب النفع، وإذا كانوا بحيث لا يقدرون على الدفع والنفع فيما يتعلق بأنفسهم فكيف يملكون ذلك لمن يعبدهم) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- قاعدة: أن دفع الضر أهم من جلب النفع (٣).

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى أخبر عن جهل المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله الخالق لكل شيء، لكنهم عبدوا معه من الأصنام ما لا يقدر على خلق جناح بعوضة، بل هم مخلوقون، لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا فكيف يملكون لعابديهم، فقدم ذكر الضر؛ فدل بدلالة التقديم على أن دفع الضر أهم من جلب النفع.

قال الآلوسي: (ولما كان دفع الضر أهم أفيد أولا عجزهم عنه) (٤).

وممن قال بهذا الاستنباط: أبو السعود، والآلوسي، والقنوجي. (٥).

ومما يستأنس به في تأييد هذا الاستنباط أن أكثر ما جاء في القرآن من لفظي الضر والنفع معا جاء بتقديم لفظ الضر على النفع (٦).

وقاعدة: درء المفسدة مقدّم على جلب المصلحة من القواعد المتفرعة عن القاعدة الكليّة "الضرر يزال" (٧)، وذلك لأنه عند الموازنة بين المصلحة والمفسدة، ودفع الضرر وإزالته لابد من التعرض للموازنة بين المصالح والمفاسد عند التعارض، وأيهما أولى بالتقديم دفعا وجلبا. ناهيك عن أن دفع المفسدة عبارة عن إزالة ضرر (٨).


(١) وهو استنباط قاعدة فقهية فرعية مندرجة تحت القاعدة العامة (لا ضرر ولا ضرار).
(٢) فتح القدير ج ٤/ ص ٦١.
(٣) وقد تقدم مثل هذا الاستنباط عند الآية ٧٦ من سورة المائدة.
(٤) روح المعاني ج ١٨/ ص ٢٣٤.
(٥) انظر: إرشاد العقل السليم ج ٦/ ص ٢٠٢، وروح المعاني ج ١٨/ ص ٢٣٤، وفتح البيان ج ٩/ ص ٢٨٢.
(٦) ذكر الكرماني أن أكثر ما جاء في القرآن من لفظي الضر والنفع معا جاء بتقديم لفظ الضر على النفع. وحيث تقدم النفع على الضر تقدم لسابقة لفظ تضمن نفعا، وذلك في ثمانية مواضع، ثلاثة منها بلفظ الاسم وهي: الأعراف: ١٨٨، والرعد: ١٦، وسبأ: ٤٢. وخمسة بلفظ الفعل وهي في: الأنعام: ٧١، وآخر في يونس: ١٠٦، وفي الأنبياء: ٦٦، والفرقان: ٥٥، وفي الشعراء: ٧٣. ثم بسط الكرماني القول في كل آية منها مبينا وجه تقديم النفع على الضر، ثم قال: (فتأمل فإنه برهان القرآن). أسرار التكرار ص ٩٢، ٩٣.
(٧) القواعد الخمس الكبرى هي: الأمور بمقاصدها، واليقين لا يزول بالشك، والمشقة تجلب التيسير، والعادة محكمة، والضرر يزال أو لا ضرر و لا ضرار. راجع تفصيلاتها في كتاب: القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها للدكتور صالح السدلان.
(٨) انظر بحث: قاعدة "درء المفسدة مقدّم على جلب المصلحة": دراسة أصوليّة فقهيّة للدكتور حسن بن إبرهيم الهنداوي ص ٣.

<<  <   >  >>