للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٩ - من حرم على نفسه شيئا مما أحله الله له فلا يحرم عليه ولا تلزمه كفارة (١).

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)} المائدة: ٨٧.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (قوله: {وَلَا تَعْتَدُوا} أي: لا تعتدوا على الله بتحريم طيبات ما أحل الله لكم، أو لا تعتدوا فتحلوا ما حرم الله عليكم أي: تترخصوا فتحللوا حراما كما نهيتم عن التشديد على أنفسكم بتحريم الحلال. وقد ذهب جمهور العلماء (٢) إلى أن من حرم على نفسه شيئا مما أحله الله له فلا يحرم عليه ولا يلزمه كفارة، وقال أبو حنيفة (٣) وأحمد (٤) ومن تابعهما إن من حرم شيئا صار محرما عليه، وإذا تناوله لزمته الكفارة. وهو خلاف ما في هذه الآية، وخلاف ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، ولعله

يأتي في سورة التحريم ما هو أبسط من هذا إن شاء الله (٥) (٦).


(١) وهو استنباط فقهي.
(٢) قال ابن العربي: (هذا مذهب مالك، والشافعي، وأكثر الصحابة). أحكام القرآن ج ٢/ ص ٩٩.
(٣) قال الجصاص: (وكذلك قال أكثر أهل العلم فيمن حرم طعاما أو جارية على نفسه أنه إن أكل من الطعام حنث، وكذلك إن وطئ الجارية لزمته كفارة يمين). أحكام القرآن ج ٤/ ص ١١٠.
(٤) قال السعدي: (ودلت الآية الكريمة على أنه إذا حرم حلالا عليه من طعام وشراب وسرية وأمة ونحو ذلك فإنه لا يكون حراما بتحريمه، لكن لو فعله فعليه كفارة يمين كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الآية. إلا أن تحريم الزوجة فيه كفارة ظهار). تيسير الكريم الرحمن ص ٢٤٢.
(٥) قال الشوكاني في سورة التحريم: (قال الزجاج: وليس لأحد أن يحرم ما أحل الله. قلت: وهذا هو الحق أن تحريم ما أحل الله لا ينعقد ولا يلزم صاحبه، فالتحليل والتحريم هو إلى الله سبحانه لا إلى غيره، ومعاتبته لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في هذه السورة أبلغ دليل على ذلك، والبحث طويل والمذاهب فيه كثيرة والمقالات فيه طويلة وقد حققناه في مؤلفاتنا بما يشفي. واختلف العلماء هل مجرد التحريم يمين يوجب الكفارة أم لا؟ وفي ذلك خلاف، وليس في الآية ما يدل على أنه يمين؛ لأن الله سبحانه عاتبه على تحريم ما أحله له ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}، وقد ورد في القصة التي ذهب أكثر المفسرين إلى أنها هي سبب نزول الآية أنه حرم أولا، ثم حلف ثانيا كما قدمنا). فتح القدير ج ٥/ ص ٢٥٠.
(٦) فتح القدير ج ٢/ ص ٧٠.

<<  <   >  >>