للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهو مبني أيضا على إعراب {غَيْرَ} على أنه منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف: أي غلوا غير غلو الحق (١).

ورأى آخرون -منهم ابن عثيمين- أن الغلو كله ليس بحق. ويكون إعراب {غَيْرَ الْحَقِّ} صفة كاشفة أي هي لبيان الواقع ولا مفهوم لها (٢). وعلى هذا المعنى والإعراب لا يستقيم ما استنبطه الشوكاني.

ويمكن توجيه هذا الخلاف بأن من جعل الغلو كله ليس بحق إنما عني بالغلو الغلو في العبادة، أو تجاوز الحق بالإعراض عن الأدلة.

أما من قسم الغلو إلى قسمين: غلو بحق، وبغير حق، فإنه يتفق مع الفريق الأول في المقصود بالغلو الباطل. (٣)

ويكون مقصودهم من الغلو بحق -هنا- ما كان من الاجتهاد في تحصيل الحجج، واستخراج الحقائق.

لكن تسمية هذا الفعل غلوا فيه إشكال من وجهين:

الأول: أن هذا الفعل وإن صحت تسميته غلوا من جهة اللغة إلا أن الشرع يحث عليه، ويثيب فاعله ما دام حقا. وإذا كان الغلو المجاوزة عن الحد، فلا مجاوزة عنه ما لم يخرج عن الدين، فهذا الفعل ليس خروجا عنه حتى يكون غلوا.

الثاني: أن تسمية هذا الاجتهاد بالغلو قد يفتح للتأويلات الفاسدة المخالفة للحق بابا بحجة التفتيش عن أباعد المعاني، وفحص الحقائق.

فالاستمساك بالقول بوجود غلو بالحق قد يفضى إلى جعل التعمق في المباحث الكلامية المخالفة لما عليه السلف حقا بحجة أن هذا غلو بحق، وقد فعل هذا الزمخشري حيث قال: الغلو في الدين غلوان: غلو حق وهو أن يفحص عن حقائقه، ويفتش عن أباعد معانيه، ويجتهد في تحصيل حججه كما يفعل المتكلمون من أهل العدل والتوحيد رضوان الله عليهم.

وغلو باطل وهو أن يتجاوز الحق ويتخطاه بالإعراض عن الأدلة، واتباع الشبه كما يفعل أهل الأهواء والبدع (٤).

قال الدوسري-متعقبا-: (ولا عبرة بما قاله الزمخشري في تفسير الغلو وتقسيمه، فإنه مبني على مذهب الاعتزال، ومراده بأهل العدل والتوحيد المعتزلة، ومراده بأهل الأهواء أهل السنة، فهم في عرفه أهل الأهواء والبدع حاسبه الله وعامله بما يستحق) (٥).


(١) انظر: فتح القدير ج ٢/ ص ٦٥.
(٢) انظر: تفسير سورة المائدة لابن عثيمين ج ١/ ص ٢٢٩.
(٣) وذكر ابن عاشور أمثلة للغلو الذي لا ضير فيه، فقال: وأن من الغلو الذي لا ضير فيه المبالغة في الثناء على العمل الصالح من غير تجاوز لما يقتضيه الشرع … ومن الغلو الذي ليس باطلا ما هو مثل الزيادة في الوضوء على ثلاث غسلات فإنه مكروه. انظر: التحرير والتنوير ج ٥/ ص ١٧٨. فأما الأول فليس بغلو لأن ليس فيه تجاوز لما يقتضيه الشرع، وأما الثاني فهو أقرب للغلو الباطل إذ ليس بحق والله أعلم.
(٤) انظر: الكشاف ج ١/ ص ٦٩٩.
(٥) صفوة الآثار والمفاهيم ج ٩/ ص ٢٠٣.

<<  <   >  >>