للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا يدل على أن الشوكاني لا يكتفي في جزء الرواية بنقل المأثور، بل يمحص وينقد ويرد. ومثله أيضا المثال الآتي.

٤ - قول الشوكاني - عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ … مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥)} [النمل: ١٥]-: (عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب: إن الله لم ينعم على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان حمده أفضل من نعمته، لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل، قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ … مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥)} وأي نعمة أفضل مما أعطى داود وسليمان؛ أقول: ليس في الآية ما يدل على ما فهمه - رحمه الله- والذي تدل عليه أنهما حمدا الله سبحانه على ما فضلهما به من النعم، فمن أين تدل على أن حمده أفضل من نعمته) (١). (٢).

[الثالث: الاستنباطات التي تأثر فيها بمن سبقه. وهذه على قسمين]

أحدهما: الاستنباطات التي تأثر فيها بغيره وصرح بذكره. وهذه نادرة، ولم أقف سوى على مثال واحد هو استنباط البشارة لإبراهيم -عليه السلام- ببقاء الغلام المبشر به حتى يكبر ويصير حليما، وذلك من قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١)} [الصافات: ١٠١] حيث قال-رحمه الله-: (ومعنى حليم أن يكون حليما عند كبره، فكأنه بشر ببقاء ذلك الغلام حتى يكبر ويصير حليما؛ لأن الصغير لا يوصف بالحلم. قال الزجاج: هذه البشارة تدل على أنه مبشر بابن ذكر، وأنه يبقى حتى ينتهي في السن، ويوصف بالحلم (٣) (٤).

ثانيهما: الاستنباطات التي تأثر فيها بغيره ولم يصرح بذكره. وهي كثيرة وسيأتي التمثيل لها.

ويتنبه إلى أن نسبة هذه الاستنباطات إلى غيره نسبة إنشاء لا ينفي جواز نسبتها إلى الشوكاني نسبة تأييد وموافقة؛ فهي بهذا الاعتبار تعد استنباطاته.


(١) فتح القدير ج ٤/ ص ١٣٤.
(٢) وانظر أمثلة أخرى في فتح القدير: (ج ١/ ص ٩٨)، و (ج ١/ ص ٤٢٠)، و (ج ١/ ص ٥٣٣)، و (ج ٥/ ص ١٩٠).
(٣) معاني القرآن وإعرابه ج ٤/ ص ٣١٠.
(٤) فتح القدير ج ٤/ ص ٤٠٣. وانظر: الاستنباط رقم: ١٨٤.

<<  <   >  >>