للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

سورة هود -عليه السلام-

١٠٥ - تقديم الإرشاد إلى الاستغفار على التوبة لكونه وسيلة إليها (١).

قال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)} هود: ٣.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وقدم الإرشاد إلى الاستغفار على التوبة لكونه وسيلة إليها) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- أن مناسبة تقديم الإرشاد إلى الاستغفار على التوبة لكون الاستغفار وسيلة إلى التوبة.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى قدم الإرشاد إلى الاستغفار على التوبة، وتقديم الوسائل سبب لتحصيل المطالب؛ فدل التقديم على أن الاستغفار وسيلة إلى التوبة.

وهذا الاستنباط نقله القنوجي (٤). وأشار إليه الطبري، وابن عاشور، ومحمد أبو زهرة. (٥).

ورأى العكس آخرون، منهم: الرازي، والبيضاوي (٦)، فتقديم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب، والتوبة هي السبب إليها.

قال الرازي: معنى قوله: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا} اطلبوا من ربكم المغفرة لذنوبكم، ثم بين الشيء الذي يطلب به ذلك وهو التوبة فقال: {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}؛ لأن الداعي إلى التوبة والمحرض عليها هو الاستغفار الذي هو عبارة عن طلب المغفرة، وهذا يدل على أنه لا سبيل إلى طلب المغفرة من عند الله إلا بإظهار التوبة، والأمر في الحقيقة كذلك؛ لأن المذنب معرض عن طريق الحق، والمعرض المتمادي في التباعد ما لم يرجع عن ذلك الإعراض لا يمكنه التوجه إلى المقصود بالذات، فالمقصود بالذات هو التوجه إلى المطلوب، إلا أن ذلك لا يمكن إلا بالإعراض عما يضاده، فثبت أن الاستغفار مطلوب بالذات، وأن التوبة مطلوبة لكونها من متممات الاستغفار وما كان آخرا في الحصول كان أولا في الطلب؛ فلهذا السبب قدم ذكر الاستغفار على التوبة (٧).


(١) وهو استنباط في الدعوات والذكر.
(٢) فتح القدير ج ٢/ ص ٤٨١.
(٣) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) استنزال الرزق والعيش الطيب يكون بالاستغفار والتوبة. انظر: نكت القرآن ج ١/ ص ٦٠١. على أن المراد بالمتاع الحسن سعة الرزق، ورغد العيش، والعافية في الدنيا.
٢) في التعرض لوصف الربوبية تلقين للمخاطبين، وإرشاد لهم إلى طريق الابتهال في السؤال. انظر: إرشاد العقل السليم ج ٤/ ص ١٨٤.
(٤) انظر: فتح البيان ج ٦/ ص ١٣٨.
(٥) انظر: جامع البيان ج ١٢/ ص ٣١٢، ٣١٣، والتحرير والتنوير ج ١١/ ص ٢٠٢، وزهرة التفاسير ج ٧/ ص ٣٦٦٢.
(٦) انظر: التفسير الكبير ج ١٧/ ص ١٤٥، وأنوار التنزيل ج ٣/ ص ٢٢٠. كما حكى هذا القول السمعاني في تفسير القرآن العزيز ج ٢/ ص ٤١٢،، والشوكاني في فتح القدير ج ٢/ ص ٤٨١.
(٧) انظر: التفسير الكبير ج ١٧/ ص ١٤٥.

<<  <   >  >>