للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا، وقد أخطأ الشوكاني فيما أخطأ، ولا يقال إلا أنه من البشر يخطئ كما يخطئون ويصيبون (١).

[مذهبه]

تخلى الشوكاني في سن مبكرة عن التمذهب، وتحلى بمنصب الاجتهاد، وأصبح لا يتقيد

بمذهب معين، بل اعتمد اعتمادا مباشرا على الكتاب والسنة مجتهدا في فهم نصوصها، ولو خالف مذهب الزيدية، أو المذاهب الأربعة كلها (٢).

وقد ذكر في ترجمته لنفسه أنه ترك التقليد، واجتهد رأيه اجتهاد مطلقا غير مقيَّد وهو قبل الثلاثين (٣). ودعا إلى مذهبه الاجتهادي، وقرر أن التقليد والانتساب إلى عالم من العلماء دون غيره، والتقيد بجميع ما جاء به من رواية ورأي، وإهمال ما عداه، من أعظم ما حدث في هذه الأمة من البدع والضلالة (٤).

[الاجتهاد والتقليد عند الشوكاني]

التقليد لغة: وضع الشيء في العنق مع الإحاطة به، ويسمى ذلك قلادة. ومنه تقليد البدن بأن يجعل في عنقها شعارا يعلم به أنها هدي (٥).

ثم يستعمل في تفويض الأمر إلى الشخص استعارة، كأنه ربط الأمر بعنقه، كما قال لقيط الإيادي (٦):

وقلدوا أمركم لله دركم … رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا (٧).

وفي عرف الفقهاء: قبول قول الغير من غير معرفة دليله (٨).

أو العمل بقول الغير من غير حجة (٩). أخذا من المعنى اللغوي، كأن المقلد يطوق المجتهد إثم ما غشه به في دينه، أي يجعله طوقا في عنقه (١٠).

وقد عني الشوكاني بأمر التقليد كثيرا؛ فكتب فيه كتابه: (القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد)، وكتاب: (أدب الطلب ومنتهى الأرب)، وقد أشار الشوكاني لهذين الكتابين عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٠٤)} [المائدة: ١٠٤] قال: (وفي ذلك دليل على قبح التقليد والمنع منه، والبحث في ذلك يطول، وقد أفردته بمؤلف مستقل سميته: القول المفيد في حكم التقليد، واستوفي الكلام فيه في أدب الطلب ومنتهى الأرب) (١١).


(١) انظر: منهج الشوكاني في العقيدة ص ٨٥٧.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ١١٨.
(٣) انظر: البدر الطالع ج ٢/ ص ٧٧٦.
(٤) انظر: منهج الشوكاني في العقيدة ص ١١٨.
(٥) انظر: مادة (قلد) في لسان العرب ج ٣/ ص ٣٦٦، ٣٦٧، والقاموس المحيط ج ١/ ص ٣٩٨.
(٦) هو لقيط بن يعمر، شاعر جاهلي قديم، مقل، ليس يعرف له شعر غير هذه القصيدة ومطلعها: يا دار عمرة من محتلِّها الجَرَعا، وقطع من الشعر لطاف متفرقة، انظر: الأغاني ج ٢٢/ ص ٣٥٧ وما بعدها.
(٧) انظر: الأغاني ج ٢٢/ ص ٣٥٧.
(٨) انظر: البحر المحيط للزركشي ج ٦/ ص ٢٧٠، ومذكرة في أصول الفقه ص ٤٨٧.
(٩) انظر: روضة الناظر ج ٢/ ص ٤٩٦، و البحر المحيط للزركشي ج ٦/ ص ٢٧٠، والسيل الجرار ج ١/ ص ٦، وإرشاد الفحول ص ٥٩٧، وفتح القدير ج ٣/ ص ٣٩٩.
(١٠) انظر: البحر المحيط للزركشي ج ٦/ ص ٢٧٠، ونزهة الخاطر شرح روضة الناظر ج ٢/ ص ٤٩٦.
(١١) فتح القدير ج ١/ ص ١٦٧، ١٦٨.

<<  <   >  >>