للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا الوجه من المناسبة على جعل قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨)} من الموصول لفظا المفصول معنى؛ إذ اتصل لفظا بقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)}، وانفصل عنه معنى.

ولا شك أن القول باتصال الآيتين: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨)} في المعنى أولى؛ وبه يصح ما استنبطه الشوكاني.

١٢٩ - الاستعاذة عند كل عمل آكد من الاستعاذة عند قراءة القرآن (١).

قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨)} النحل: ٩٨.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وتخصيص قراءة القرآن من بين الأعمال الصالحة بالاستعاذة عند إرادتها؛ للتنبيه على أنها لسائر الأعمال الصالحة عند إرادتها أهم؛ لأنه إذا وقع الأمر بها عند قراءة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كانت عند إرادة غيره أولى) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- أن الاستعاذة عند كل عمل آكد من الاستعاذة عند قراءة القرآن.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى أمر بالاستعاذة عند قراءة القرآن، فخص قراءة القرآن من بين الأعمال الصالحة؛ فدل مفهوم الموافقة- مفهوم الأولى- على أن الاستعاذة من الشيطان عند إرادة الأعمال الصالحة عند إرادتها أهم؛ لأنه إذا وقع الأمر بها عند قراءة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كانت عند إرادة غيره أولى.

وممن قال بهذا الاستنباط: أبو السعود، والآلوسي، والقنوجي. (٣).

وبالنظر إلى الاستنباط السابق الذي استنبط فيه الشوكاني المناسبة بين قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)} وقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨)} يمكن القول بأن استنباطه مناسبة ذكر الاستعاذة بعد ذكر العمل الصالح والجزاء عليه؛ أن بالاستعاذة تخلص الأعمال الصالحة عن الوساوس الشيطانية يناسب استنباطه هنا، فالمناسبة تدل على حاجة كل عمل للاستعاذة، وزاد هنا أن الاستعاذة عند كل عمل آكد من الاستعاذة عند قراءة القرآن.


(١) وهو استنباط في الدعوات والذكر.
(٢) فتح القدير ج ٣/ ص ١٩٣، ١٩٤.
(٣) انظر: إرشاد العقل السليم ج ٥/ ص ١٣٩، ١٤٠، وروح المعاني ج ١٤/ ص ٢٣٠، وفتح البيان ج ٧/ ص ٣١٤.

<<  <   >  >>